الابحاث المنشورة في المدونة من اعداد الباحث صاحب المدونة

مدونة التنمية والتطوير

السبت، 6 مارس 2010

دور الأسرة في التربية

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد.. فإن أشكال المؤسسات الاجتماعية وتركيبها يختلف من مجتمع لآخر، تبعًا لاختلاف الوظائف التي تقوم بها هذه المؤسسة في شكلها ومضمونها، وتعتبر الأسرة من أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية وأثرها البارز في التربية بالنسبة للأفراد في المجتمع الإسلامي.

وحيث تعتبر الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى المسؤولة عن تربية الأولاد وضبطهم، لأنها اتحاد تلقائي يتم نتيجة الاستعدادات والقدرات الكامنة في الطبيعة البشرية، وهي ضرورة حتمية لبقاء الجنس البشري واستمرار الوجود الاجتماعي، حيث تلعب الأسرة دورًا أساسيًا في سلوك الأفراد بطريقة سوية، أو غير سوية، من خلال النماذج السلوكية التي تقدمها لصغارها، حيث إن أنماط هذه التفاعلات وهذا السلوك الذي يدور داخل الأسرة يعتبر هو النموذج الذي يؤثر سلبًا أو إيجابا في تربية الناشئين.

وفي هذا البحث المتواضع سوف أتناول التعريف بدور الأسرة في التربية، من خلال التعريف بمفهوم الأسرة وأبعاده، وتوضيح دور كل من الوالدين الأب والأم في التربية الإسلامية للأبناء سواء منهم الذكور أو الإناث، ومن ثم بيان المجالات التربوية التي يجب على الأسرة اتباعها مع الأبناء في سبيل تربية صحيحة قويمة، فأسأل الله العلي القدير أن يوفقني لما يحبه ويرضاه،

الأسرة في اللغة:

الأسرة في اللغة هي الدرع الحصين، وأهل الرجل وعشيرته، وتطلق على الجماعة التي يربطها أمر مشترك، وجمعها أسر(1)، وكلمة الأسرة لها صلة وثيقة بحياة القبيلة، وحياة البداوة، وهي تعني مفهوم الحماية والنصرة.

الأسرة في الاصطلاح:

الأسرة هي الوحدة الأولى للمجتمع وأولى مؤسساته التي تكون العلاقات فيها في الغالب مباشرة، ويتم داخلها تنشئة الفرد اجتماعيًا ويكتسب منها الكثير من معارفه ومهاراته وميوله وعواطفه واتجاهاته في الحياة، ويجد فيها أمنه وسكنه، وهي رابطة اجتماعية تتكون من زوج وزوجة وأطفالهما وتشمل الجدود والأحفاد وبعض الأقارب، على أن يكونوا مشتركين في معيشة واحدة(1).

والأسرة جماعة اجتماعية أساسية دائمة، ونظام اجتماعي رئيسي، وهي ليست أساس وجود المجتمع فحسب، بل هي مصدر الأخلاق، والدعامة الأولى لضبط السلوك، والإطار الذي يتلقى فيه الإنسان أول دروس الحياة الاجتماعية، وبالتالي، فإن نظام الأسرة هو الأحكام والمباديء والقواعد التي تتناول الأسرة بالتنظيم، بدءًا من تكوينها ومرورًا بقيامها واستقرارها وانتهاء بتفرقها، وما يترتب على ذلك من آثار(1).

والأسرة على عدة أنواع، فمنها الأسرة الضيقة التي تضم الزوجين والأولاد فقط، ومنها الأسرة الممتدة التي يتسع إطارها ليعم سائر الأقارب من آباء وأخوة وأعمام، وقد حث الإسلام على مراعاة النسب الأسري والاحتفاء بالأسرة، ورابطة النسب والقرابة، في إطار العقيدة والإيمان، ويستعيض عن الولاء للنسب القبلي بالولاء للأسرة، وقد حث على طاعة الوالدين والإحسان إليهما بقوله تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا (1).

والأسرة تقوم على مجموعة من المباديء والأسس والتي من أهمها وحدة الأصل والمنشأ، قال تعالى: هو الذي أنشأكم من نفس واحدة (1)، إضافة إلى المودة والرحمة، لقوله تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة (1)، والعدل والمساواة بين الأسرة، لقوله تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف (1)، ثم التكافل الاجتماعي والذي يظهر جليًا في نظام النفقة والميراث، لقوله تعالى: وآت ذا القربى حقه (1).

من ذلك كله يتبين لنا أن نظام الأسرة في الإسلام من أهم الأنظمة الاجتماعية فيه، والذي ما زال محافظًا على تماسكه وترابطه، بفضل تعاليم الإسلام السمحة، والتي تصدر من العقيدة القويمة، وما تهالكت الأمم الغربية وتردت أخلاقها إلى الحضيض، إلا بعد أن تهدمت الأسرة لديها، وأصبح كل نفس مسؤول عن نفسه لا يربطه بأسرته أي رباط، حتى الابن والابنة إذا بلغا سن البلوغ كان لهما الانفصال عن والديها وحق لهما التصرف كيف يشاءوا.. فالحمد لله على نعمة الإسلام.

الأسرة قبل الإسلام:

كانت المرأة قبل الإسلام مظلومة، مقهورة، مغلوبة على أمرها، سواء في الغرب أو عند العرب، وكانت المرأة تصبح بمجرد العقد في وضع لا سبيل إلى الفرار منه، حيث كان الزواج مؤبدًا، وكانت تعيش تحت سلطة الزوج المتطرفة، محرومة من الحرية، وحق الملكية وحق التصرف المالي، وليس لديها أي أمل في التخلص من هذه الحياة، فلا طلاق ولا خلع، أما الجزيرة العربية، فحق المرأة لم يكن محترمًا وكان الأب يئد ابنته، وليس لها حق في الميراث، وكان للزوج أن يتزوج عليها من النساء ما شاء، من غير عدد، ما دام لديه الرغبة والقدرة على ذلك، والمرأة عند الرجال أداة طيعة لارضاء الغرائز السفلى، من ذلك يتبين أن وضع المرأة عمومًا قبل الإسلام في كان في منتهى السوء والقسوة والشذوذ، وكان فتح باب الطلاق وتعدد الزوجات عند العرب فيه شيء من ضمان مستقبل المرأة والأولاد(1).

الأسرة في الإسلام:

حرم الإسلام الوأد وقتل الأولاد، والذي كان شائعًا خشية العار أو الحاجة، فقال تعالى: ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم (1)، كما قرر الإسلام حق المرأة في الميراث، ورفع مستوى المرأة في الأسرة فحررها من السلطة المتطرفة التي عانت منها زمنًا طويلاً، فجعلها صاحبة رأي في اختيار زوجها، فلا يملك أب أو ولي أن يكرهها على الزواج ممن لا ترضاه، وأوجب الإسلام لها على زوجها صداقًا ونفقة كاملة من ملبس ومسكن ومطعم، وفي مقابل قرارها في المنزل وممارسة حياته الجنسية معها حتى الكنس والطبخ والفرش وإرضاع الولد، فهي ليست ملزمة لشيء من ذلك إلا طوعًا قال رسول الله  "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها" (1)، والزوجان مشتركان في تدبير شؤون الأسرة، فيدرسان الأمور معًا ويتبادلان الرأي، والرجل هو المسؤول الأول عن حياة الأسرة وعليه وحده عبء نفقتها، ويتمتع بصفات تؤهله للرئاسة أكثر من المرأة وقابليته للانفعال الشديد دون قابلية المرأة، وقوامة الرجل على المرأة لا تعني السيطرة والاستبداد الغاشم والاذلال، ولكنها تعني أنه يقوم بتوفير حاجات البيت بحيث يكون الشعور بالراحة والطمأنينة، ورئاسة المسؤولية تعني رئاسة الارشاد والهداية لا رئاسة الأمر والنهي بقصد التعالي والتجبر(1).

مفهوم التربية:

التربية هي عملية التكيف أو التفاعل بين الفرد وبيئته التي يعيش فيها، وهي عملية تضم الأفعال والتأثيرات المختلفة التي تستهدف نمو الفرد في جميع جوانب شخصيته، وتسير به نحو كمال وظائفه عن طريق التكيف مع ما يحيط به، ومن حيث ما تحتاجه هذه الوظائف من أنماط سلوك وقدرات، وهي العمل المنسق المقصود الهادف إلى نقل المعرفة وخلق القابليات وتكوين الإنسان والسعي به في طريق الكمال من جميع النواح وعلى مدى الحياة(1).

وتمتاز التربية بأنها عملية إنسانية، تختص الإنسان وهي حكر عليه دون غيره من المخلوقات، كما أنها عملية تكاملية شاملة، وعملية ذات قطبين هما المربي والمتربي، حيث يؤثر كل منهما على الآخر، وهي عملية فردية اجتماعية هادفة متغيرة ومتطورة وتشاركية لا تقتصر على المدرسة وحدها وإنما يتلقى الفرد أيضًا تربيته من البيت وشلة الرفاق والمؤسسات الاجتماعية الأخرى(1).

وتمثل التربية ضرورة حتمية للفرد لنقل العلم والثقافة من جيل لآخر، نظرًا لأن الانسان مخلوق ضعيف الاتكال كانت التربية ضرورة حتمية للأفراد، حيث إن البيئة البشرية كثيرة التعقيد والتغيير، كما أنها ضرورة حتمية للمجتمع لحفظ التراث الثقافي وتعزيزه ومكافحة الأمية وتحسين الحالة الصحية وتحسين المستوى الاقتصادي وتنمية الروح الوطنية وتوطيدها والارتقاء بالمستوى الخلقي والافادة من أوقات الفراغ وتكوين الطاقة البشرية اللازمة للمجتمع(1).

دور الأسرة في التربية



تقوم الأسرة بمجموعة من الوظائف التربوية، والتي تتمثل بالتربية الجسدية، والعقلية والنفسية والاجتماعية والخلقية والدينية والترويحية الاستجمامية، وسوف أتناول توضيح هذه الأدوار بشيء من التفصيل في هذا المطلب.

تتجلى أول مباديء الإسلام التربوية في الاهتمام والرعاية بثمرة الحياة الزوجية في قول الله تعالى: يوصيكم الله في أولادكم (1)، ثم تتدرج من التزام الأب بالمباديء والمسؤوليات وتشترك معه الأم في بعضها، منها قيامه بعملية الارشاد لعقيدة أبنائه، وتربية أبنائه على أمور الدين وأركانه وتأديبه على مكارم الأخلاق ومراعاة العدل بين الأبناء إضافة إلى دوره التعاوني مع الأم في التربية والتوجيه المناسب، ومراعاته لحقوق ووجبات زوجته المغلفة بغلاف المودة والتقدير لها ولأبنائها وهذا هو دور الأب في التربية(1).

والأم هي العمود الفقري الذي يتركز عليه بناء البيت المسلم، فلكي تكون المرأة حافظة لبيتها راعية لأولادها أمينة على مجتمعها، حرص الإسلام على تهذيب خلقها وتربيتها على الفضائل والكمالات النفسية منذ النشأة الأولى، والإسلام لم يترك جانبًا من الجوانب التربوية والتهذيبية لتقويم اعوجاج المرأة إلا وعالجه بحكمة بالغة، وسد الأبواب والمداخل من أساسها لصيانتها، والأم خير حاضنة ومربية لأبنائها الكرام الذين لا يقلون عنها تضحية وفداء، ومسؤولية الأم إعداد الأم المسلمة إعدادًا متكاملاً جسميًا وروحيًا وعقليًا(1).

ويكتسب الطفل عن طريق الأسرة الحكم على الأشياء والمواقف والخبرات، وتتأثر تلك العملية بالجو الأسري وما يسوده من تعاون واستقرار أو تشاحن واضطراب، وكلما كانت العلاقة القائمة بين الوالدين تستند على المحبة والتفاهم والتعاون، تأتي التنشئة الاجتماعية صحيحة وسليمة، فيتشرب الطفل القيم بطريقة صحيحة سليمة، وكلما كانت الأسرة متمسكة بدينها ومبادئه وقيمه، انعكس ذلك على تربية الأطفال، حيث تعمل على تشريب أبنائها القيم الصحيحة وتنشئتهم عليها، حيث يحكمون الدين في كل تصرفات حياتهم والعكس صحيح(1)

دور الأسرة في التربية الدينية والخلقية:

القرآن الكريم يبدأ بتربية الفرد لأنه لبنة المجتمع ويقيم تربيته على تحرير وجدانه وتحمله التبعة، فالقرآن الكريم يحرر وجدان المسلم بعقيدة التوحيد الذي تخلصه من سلطان الخرافة والوهم وتفك أسره من عبودية الأهواء والشهوات، حتى يكون عبدًا خالصًا لله وحده، يتجرد للإله الخالق المعبود، ويستعلى بنفسه عما سواه، فلا حاجة للمخلوق إلا لدى خالقه، الذي له الكمال المطلق، ومنه يمنح الخير للخلائق كلها، إنه خالق واحد وإله واحد، لا أول له ولا آخر، قدير على كل شيء، عليم بكل شيء، محيط بكل شيء، وليس كمثله شيء(1).

ويمكن بيان أوجه التربية الدينية والخلقية من خلال:

1- مساعدة الطفل على تأكيد عقيدة الإيمان بالله عز وجل بكافة الطرق المناسبة بالكلمة الحانية والسلوك القويم والقصة الهادفة الملتزمة، والتشجيع على الصلاة وقراءة القرآن وغير ذلك.

2- مساعدة الطفل في تمثل القيم والحقائق والمباديء الإسلامية وإمداده بالخبرات الاجتماعية المثيرة له والتي تضيف على خبرته قيمًا وحقائق جديدة في إطار إسلامي.

3- مساعدة الطفل على توضيح وترجمة قيمه واتجاهاته ومشاعره وآرائه التي تمثلها ومشكلاته الخاصة وتوجيهه لحلها(1).

4- تهيئة المناخ المناسب المساعد على اكتساب القيم عن طريق تهيئة المجال للاقتراح والتخطيط ومزاولة الأنشطة الهامة، وتوجيه انتباه الطفل إلى ما يجب فعله في المواقف المختلفة.

5- احترام ذاتية الطفل وتقدير ما ينتوي فعله وقدرته على الأداء واحترام أسئلته عن عالمه والاجابة عليها، والعدل بين الأطفال والمساواة بينهم وتعويدهم الآداب الاجتماعية الاسلامية والأخلاق بالممارسة العملية وليس عن طريق الكلام وإلقاء الأوامر.

6- تعويد الطفل على السيطرة على بيئته والتعامل معها برفق من خلال المحاولة و الخطأ وتعليمه الواقع المحيط به ومدى حاجته للتفاعل الجاد معه وتقبل الأفكار الجديدة من الطفل واحترام حبه للاستطلاع.

دور الأسرة والتربية الجسمية:

الأسرة توفر للطفل المأكل والمشرب والمسكن وفيها ينمو جسمه ويترتب على الوالدين أن يلما بقواعد الصحة وقاية وعلاجًا فطبيب الأسرة وحده لا يستطيع أن يؤمن صحة الولد دون معاونة والديه، وكثير من أولياء الأمور يجهلون أصول العناية بصحة أولادهم، فهم يتركون أمرها للطبيعة أو يلجئون إلى اساليب خرافية لا تليق بهم، فينشأ عن ذلك تأخر في الصحة العامة ونسبة عالية من الوفيات بين الأطفال(1).

فعن رسول الله  أنه قال: إن لربك عليك حقًا، وإن لبدنك عليك حقًا، وإن لأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه"، وحق البدن ورد بعد حق الرب، وله نصيب كبير في الاهتمام والرعاية والتربية، وتربية البدن وتقويته والعناية به تمنح المسلم الإرادة والعزيمة والقوة وتعينه على عبادة ربه وتعينه على الجهاد والصبر والرباط في سبيل الله، وفعل الخير وتقوى الله، قال تعالى: يا أيها الذين أمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون (1).

ومفهوم التربية البدنية في الإسلام لا يقتصر على إعداد العضلات والجسد وتقويته فقط، بل يتعدى ذلك إلى كل ما يؤدي إلى نمو هذا الجسم من حلال غير محرم ومن فطري غير شاذ ومن مظاهر ذلك :

1- حماية البدن والجسد من الهلاك ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (1).

2- حماية البدن والجسد وصيانته من أكل المحرم حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به (1).

3- الاغتسال من الجنابة، وسنة الاغتسال للجمعة والعيدين فضلا عن الوضوء عند كل صلاة.

4- تحريم قتل المسلم ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق (1).

5- الحركة البدنية في العبادات ففي الصلاة تتحرك الأعضاء والمفاصل والعضلات في كل ركعة ثماني حركات، فمن خلال حركات الركوع والسجود والرفع والجلوس التي تعدد أثناء الصلوات والتي يصل عددها إلى أكثر من مائتين وأربعين حركة بدنية تشارك فيها مجموعات كبيرة وصغيرة من العضلات والمفاصل والعظام لا سيما فقرات العمود الفقري يعد ذلك تربية وإعداد جيدين لبدن المسلم وجسده.

6- أداء مناسك العمرة أو الحج بما فيها من طواف وهرولة وسعي تشارك فيها عضلات الجسم ومفاصله بمجهود كبير يدعمهما عمل كبير من الجهاز الدوري (القلب والرئتان)، فهو تدريب وإعداد لبدن وجسم الإنسان يؤدي إلى القوة والجلد.

7- وقد ضرب لنا رسول الله  المثل الأعلى في تربية الأبدان وممارسة الرياضة البدنية فقد سابق زوجته عائشة أكثر من مرة، وكان يرمي ويشجع على الرمي.

واللعب قديم قدم الإنسان، قال تعالى: قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون (1). واللعب سلوك فطري ينطوي على استكشاف ومران وتدريب ومرح وسعادة وأمان، وأيضًا فيه مشاعر متناقضة مثل الغضب والعدوان والخداع والخوف والحزن والجزع إلى غير ذلك من مشاعر وصور الحياة الحقيقية في الكبر.

وخلاصة القول أنه كلما اعتمدت ألعاب الطفل على مواد أولية يقوم هو وأقرانه بتشكيلها وتركيبها، كان لذلك عظيم الأثر في قدرته الابداعية، لأنها تترافق عندئذ بأهمية الفعل لا مجرد الملكية، وهذا هو الدور المطلوب من الأسرة(1).

دور الأسرة والتربية الفكرية والعقلية:

يتعلم الطفل في المنزل اللغة والتعبير وعن هذا الطريق تنتقل إليه أفكار الكبار من أفراد أسرته وآراؤهم، وهو يسمع منهم إجابات على أسئلته المتلاحقة فمنها ما تكون معقولة ومناسبة تساعده على التفكير وتشحذ ذهنه على البحث ومنها ما تكون مضللة تدعوه للاحباط والتشوش الفكري، مثل القصص والحكايات والخرافات التي تنتقل للطفل باللغة وهو جالس يسمع الكبار، تؤثر على الناحية اللغوية لديه، كما أن رسائل الآباء إلى أبنائهم تحتسب أسلوبًا من أساليب التربية والتعليم، وتدخل في عداد مناهجها، وهي ذات أثر فعال في التنبيه والتوجيه، ولا تعتبر خاصة بالأبناء الذين كتبت بأسمائهم، لأن ما تحمله من نصائح وتجارب الآباء ينتفع به كافة قراء هذه الرسائل من الشباب والطلاب على مر الأجيال المتعاقبة(1).

والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تشيد بالعقل وتثق به يقول تعالى: ولقد آتينا لقمان الحكمة(1)، أي آتيناه الفقه والعقل واصابة القول(1)، وقوله تعالى: كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون(1)، وعزز ذلك من الآيات الموضحة وقوله تعالى: تلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون(1)، وقوله تعالى: إن في ذلك لذكرى لأولى الألباب(1).

وعلى الأسرة يقوم دور كبير في اختيار الكتاب المناسب للطفل لجذبه إلى القراءة، وينبغي أن تزوده الأسرة وهو في حدود السابعة من عمره بالقصص والحكايات المبسطة، فقصص البطولات الاسلامية والسيرة النبوية للأطفال وهو في سن الثامنة، فالكتب العلمية المناسبة وهو في سن التاسعة، وذلك بشكل يتداخل فيه التوجيه السلوكي بالفكري والمعرفي، ويتم تدرجه في عالم القراءة الواسع مع نضجه، ويجب على الأسرة مراقبة ما يقرأه الطفل وإبعاده عن الكتب والمجلات التافهة في مضمونها، لتأثره الكبير في هذه المرحلة من عمره بما يتم نقله إليه من معلومات.. ومما ينبغي تربية الأولاد وترغيبهم على قراءته وحفظه بشكل مركز أجزاء من القرآن الكريم أو بعض سوره مع تفسيرها بشكل موجز ثم قراءة فصول من كتب السنة النبوية ليتأصل لديهم نور النبوة نظرًا لأن الأحاديث النبوية لها آثار عميقة في الفطرة البشرية(1).

دور الأسرة في التربية الجمالية:

إن نظام الحياة المنزلية وما يحيط بالطفل من اثاث وأدوات له أثر كبير في تكوين الاتجاهات الفنية والجمالية عنده، فالمنزل النظيف المحاط بالصور الجمالية والأزهار المنسقة والحياة المنظمة يساعد الطفل على التذوق الفني، والوالدين يصطحبان الأولاد إلى المعارض الفنية ويعودوهم على الإرهاف الحسي ويعطونهم الفرصة للاتصال المباشر بإنتاج العقول والخبرات المختلفة للجماعات والأفراد، والأطفال حين يقصدون المعارض يمتعون نظرهم بالقطع الفنية التي تشعرهم بالقيم الفنية التي يمكن أن يتعودها الانسان، وتأخذ سبل تعريف الأطفال على الجماليات الفنية أشكالاً متعددة تعتمد على مدى تفهم الوالدين لها واهتمامهما بها(1).

دور الأسرة في التربية النفسية:

أصبحت الصحة النفسية في عصرنا الحاضر هاجس المجتمعات، وأصبح الاعتلال النفسي من مظاهر المدنية، ولذلك أسبابه الكثيرة ولعل أهمها تقصير كثير من المسلمين في تزكية نفوسهم بصنوف الطاعات والقربات، ويحتاج الولد منذ طفولته إلى بعض الحاجات النفسية والتي تقدمها له الأسرة، وهي:

1- تجنب الاهتمام المبالغ فيه ومنه الحماية الزائدة والتدليل الزائد والتسلط والسيطرة والغلو في التربية على القيم والقسوة وكلها اتجاهات غير سوية ينتج عنها جملة من الانحرافات السلوكية لدى الأطفال والمراهقين مثل نقص الشعور بالأمن والشعور بالوحدة والخجل وسوء التوافق ونقص القدرة على مواجهة الضغوط البيئية ومواجهة الواقع والاستسلام والخضوع والتمرد والمغالاة في اتهام الذات والتردد في اتخاذ القرار(1).

2- تجنب الإهمال والتساهل في القيم والنبذ واضطراب العلاقات بين الوالدين وانحراف الوالدين أو أحدهما أخلاقيًا وكلها مؤثرات سلبية ينتج عنها لدى الأولاد القلق والتوتر والحرمان العاطفي والاحباط والشعور بالنقص واللامبالاة بالاخرين.

3- ينبغي أن لا يشق على الأبوين بكاء الطفل وصراخه ولا سيما لشربه اللبن إذا جاع فإنه ينتفع بذلك البكاء انتفاعًا عظيمًا وهو يروض أعضاءه ويوسع أمعاءه ويفسح صدره ويسخن دماغه ويحمي مزاجه ويثير حرارته الغريزية ويحرك الطبيعة لدفع ما فيها من الفضول ويدفع فضلات الدماغ من المخاط وغيره(1).

4- ينبغي أن تكون معاملة الفتاة والفتى على نحو فيه إشعار لهما بالاستقلال مع التوجيه غير المباشر وبأسلوب المآخاة خاصة في فترة المراهقة، ولا ننسى أهامية المشاورة لتغيير مداركهما وتبدل انفعالاتهما عما كانا عليه في سن الطفولة، والتباين كبير بين اسلوب التعامل مع طفل يافع ومراهق.

إن أهم ما يعمل على تنمية شخصية الطفل وتحقيق ذاتيته مراعاة حاجاته النفسية، فالبيت يتولى رعاية الفرد وتهذيبه في أحرج الفترات وأعمقها آثارًا في بناء شخصيته، وتكوين اتجاهاته وقيمه وأفكاره في كل ميدان، والأسرة تسرع بتدارك الانحرافات والشذوذ السلوكي في الفترة المبكرة من حياة الفرد قبل أن تستفحل وتتشعب جذورها وتستعصي على الاقتلاع، وإن كثيرًا من العقد النفسية والانحرافات السلوكية تبدأ في فترة الطفولة المبكرة ويعظم خطرها على الصحة النفسية بالاهمال وعدم التنبه المبكر لآثارها، ويجب على البيت أن يستكمل مقومات نجاحه التربوي ويكون الأبوان على دراية ووعي بمتطلبات التوجيه السديد والتهذيب المثمر، وإن أهم ما يعمل على تنمية شخصية الولد وتحقيق ذاتيته مراعاة حاجاته النفسية والتي من أهمها: (حاجته للطمأنينة، الحب المتبادل، تقدير الآخرين، الحرية مع السلطة الضابطة الموجه، النجاح والعشرة)(1).

الحاتمة

الحمد لله رب العالمين، وبعد.. فقد تناولت في هذا البحث بيان دور الأسرة في التربية، والتي تشمل دور الأب والأم في تربية الأبناء، وعليه فإن من حق الابن على الأب أن يحسن إسمه وأدبه ويضعه موضعًا حسنًا وأن يربيه على أمور الدين وأركانه وأن يؤدبه على مكارم الأخلاق مع مراعاة العدل بين الأبناء إضافة إلى دوره التعاوني مع الأم في التربية والتوجيه المناسب، ومراعاته لحقوق وواجبات زوجته ولأبنائه.والأب يلعب دورًا هامًا وفعالا في تنشئة الابن وفي بناء شخصيته كذلك يلعب دورًا مميزًا في عملية التخطيط لمراحل النمو المختلفة.

ويجب أن تعمل الأسرة والأبوين على تنمية العديد من الحاجات لدى الابن والتي من أبرزها الحاجة إلى الطمأنينة، والحاجة إلى المغامرة، والحاجة إلى تقدير الآخرين، والحاجة إلى الحب المتبادل، وغيرها، نظرًا لأن هذه الحاجات من خلال مراعاتها لدى الابن تستطيع أن تقضي على الكثير من المشكلات التي قد تنشأ لدى الابن، كما أن الاشباع وطريقته يعتبر الأساس في تربية الابن، فهو يولد وهو مزود ببعض القابليات، إلا أنه يعيش في بيئة معينة يتفاعل معها وتتفاعل معه، والبيئة السلوكية التي يعيش فيها تضطره إلى تعديل بعض دوافعه الأولية،وتكوين بعض العادات الانفعالية ، ويجب على الأب تقبل الأفكار الجديدة واحترام حب الابن للاستطلاع دون التقليل من شأنه أو قهره أو احتقاره لأن هذا يقلل من شعور الابن بذاتيته مما يعتبر معوقًا في نمو القيم لديه.

مراجع

(1) محمد عقله، نظام الأسرة في الإسلام ، الناشر: مكتبة الرسالة، عمان، الأردن، الطبعة الثانية، 1409هـ 1989م.

(2) عبدالباقي أحمد سلامه، القرآن الكريم ونظام الأسرة، الناشر: مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1401هـ 1981م.

(3) عمر أحمد همشري، مدخل إلى التربية، الناشر: دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2001م، 1421هـ.

(4) ليلى عبدالرشيد عطار، الجانب التطبيقي في التربية، الناشر: دار تهامة، الطبعة الأولى، 1403هـ 1983م.

(5) علي خليل مصطفى أبو العينين، القيم الإسلامية والتربية، الناشر: مكتبة إبراهيم الحلبي، المدينة المنورة، الطبعة ألأولى، 1408هـ 1988م.

(6) مناع القطان، مباحث في علوم القرآن، مؤسسة الرسالة، الطبعة الخامسة عشرة، 1405هـ 1985م، سوريا.

(7) محمد عكيله، سمير عبداللطيف هوانه، حسن جميل طه، مدخل إلى مباديء التربية، الناشر: دار القلم، الكويت، الطبعة الأولى، 1404هـ 1984م.

(8) خالد بن عبدالرحمن العك، آداب الحياة الزوجية، الناشر: دار المعرفة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1416هـ.

(9) أحمد محمد جمال، نحو تربية إسلامية، الناشر: دار إحياء العلوم، بيروت، الطبعة الثالثة، 1407هـ 1987م.

(10) سعيد اسماعيل علي: اصول التربية الاسلامية، القاهرة، دار الفكر العربي، 1985م.

(11) عبدالرب نواب الدين آل نواب، مسئولية الآباء تجاه الأولاد، النشار: وكالة شؤون المطبوعات والنشر بوزارة الأوقاف، الرياض، طبعة عام 1422هـ الطبعة الأولى.



ليست هناك تعليقات: