محو الأمية وتعليم الكبار
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد.
فالأمية في الوقت الحاضرة تعتبر مشكلة اجتماعية معقدة، فهي سبب رئيس من أسباب التخلف في المجتمعات، وفي الوقت نفسه تعتبر نتيجة وسببًا للتخلف، لذلك كانت الأمية ومكافحتها تتصدر مشروعات التنمية في البلاد النامية، لأنها تتعارض مع روح الحضارة المعاصرة وأسلوب انتاجها، وهي بحق تعتبر عائقًا من عوائق التنمية.
تمهيد
هناك العديد من التعاريف لمصطلح تعليم الكبار، ويعد هذا النوع من التعليم، بالنسبة لعدد كبير من الكبار في العالم اليوم، بديلا عن التعليم الأساسي الذي فاتهم، كما أنه بالنسبة للكثيرين ممن لم يتلقوا تعليمًا كافيًا يعد متممًا للتعليم الأولي أو المهني، وهو بالنسبة لأولئك الذين يساعدهم على الاستجابة للمتطلبات الجديدة التي تفرضها عليهم بيئتهم، امتدادًا للتعليم وتوسيعًا له.
ويوفر تعليم الكبار أيضًا تعليمًا إضافيًا للذين حصلوا بالفعل على مستوى عال من التدريب، وهو كذلك أداة للتطوير الفردي لكل إنسان، وقد يكون أحد هذه الجوانب أكثر أهمية في بلد ما ، منه في بلد آخر، لكنها جميعها صحيحة وصائبة.
ولم يعد تعليم الكبار بعد اليوم مقصورًا على المستويات الأولية، أو محصورًا بالتعليم الثقافي للأقلية، ويكتسب تعليم الكبار أهمية خاصة لدرجة أنه قد يكون حاسمًا في نجاح النشاطات المدرسية لغير الكبار، إذ أن من غير الممكن أن نفصل التعليم الأولي للأطفال عن المستويات التربوية لآبائهم وأمهاتهم، ومن الواضح أنه ليس بوسعنا إعداد الأجيال الصاعدة بصورة مناسبة ولائقة في بيئة أمينه(1).
وبما أن تطور التربية يعتمد على الإفادة إلى أقصى حد ممكن، من مقدرات جميع الأفراد على تعليم الآخرين، أو المساعدة على تدريبهم، فإن من غير الممكن العمل على زيادة عدد الأشخاص المحترفين الذين يعملون في سبيل الأهداف التربوية إلا بتدعيم تعليم الكبار.
لذلك فإنه يتوجب علينا ألا نرى في تعليم الكبار نقيضًا لتعليم الأطفال والصغار، إذ أن مفهوم التربية العالمية يتجاوز المظهر الخارجي للتناقض، بحيث يسمح لكلا الطرفين الاندراج بشكل متعادل في وقت واحد ضمن إطار خدمة الأهداف التربوية العامة، من أوسع معانيه، وبالتالي فإن ذلك يستتبع أن يكون تعليم الكبار لا يمكن اعتباره بعد الآن مجرد قطاع هامشي من النشاط، في أي مجتمع، بل يجب أن يحتل مكانه اللائق في السياسات والميزانيات التربوية، وهذا يعني بالضرورة ربط التعليم المدرسي والتعليم خارج المدرسة في كل واحد متماسك(1).
لذلك فإنه من الضروري أن تتضمن الاستراتيجيات التربوية في العقود القادمة تطويرًا سريعًا لتعليم الكبار، داخل المدرسة وخارجها، وأن يكون لهذا التطوير الأولوية في أهدافها.
يعاني تعليم الكبار في الوطن العربي من الكثير من المشكلات والصعاب والتحديات، وهو يواجه ظروف خارجية وموضوعية، ذات علاقة متعددة ومتشعبة ومتداخلة ، ومن أبرز التحديات التي تواجه تعليم الكبار ما يلي:
1- التركيب الاجتماعي للمجتمعات ومدى تقدمه أو جموده، ومدى عصريته وتقليديته.
2- المجالات التشريعية التي تتصل بالحقوق والواجبات في حق التعليم وحق العمل والمشاركة الاجتماعية في المستويات المختلفة في صنع القرارات وصياغة الحياة السياسة.
3- المجالات الادارية المتعلقة بأنماط الإدارة وصورها من مركزية ولا مركزية مع ما يمكن أن يتوفر لهذا النمط من حجم المشاركة ونوعها.
4- المجال الاقتصادي والمالي ومناشطهما الأساسية وطبيعتهما الاجتماعية ويتصل بها أسلوب التخطيط ونوعه.
5- المجال الاجتماعي وسياسة الرعاية الاجتماعية وطبيعتها والضمانات المختلفة التي تتضمنها، وكذلك المجالات الفنية المتصلة بالتعليم نفسه بنيانًا وإدارة وأداء، وغير ذلك(1).
ومع أن الوسائل والتسهيلات الحالية لا تزال عاجزة عن تلبية الحاجات التربوية والثقافية لسكان العالم الكبار، فإن تقدم الخطوة خطوة ليس كافيًا، لذلك يجب القفز بخطوات جبارة إلى الأمام، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بتضافر الجهود وموارد الأفراد والمؤسسات العامة، ولا بد من اتخاذا بعض الاجراءات منها:
1- استخدام جميع المنشآت المدرسية (المدارس الأولية والثانوية والفنية) لصالح نشاطات تعليم الكبار، وزيادة أعداد المقبولين من الكبار في مؤسسات التعليم العالي.
2- إيجاد مؤسسات خاصة لتعليم الكبار، أو دمج النشاطات خارج المدرسة، من أجل مساعدة ا لكبار على تأدية أعمالهم بصورة أفضل كمواطنين أو كمنتجين أو كمستهلكين أو كآباء.
3- تعزيز تنظيم الفعاليات التربوية للفرد والجماعة، وتشجيع التعليم الذاتي، وتطوير المبادرة الذاتية وجعل جميع الوسائل التربوية في متناول أكبر عدد من الناس.
لذلك فإن هذا العمل لا يمكن تحقيقه إلا بالدعم المالي والفني من الدولة، وبالتعاون مع القطاعين الصناعي والزراعي معًا، ولكن الكثير من ذلك يعتمد على مبادرة الفرد والجماعة معًا، وهذا الدور الذي تنطوي عليه المبادرة الخاصة يوفر ضمانة أساسية بأن الحرية والتنوع سيكونان في موضع الاحترام كما أنه يشجع الابتكار التربوي(1).
تحديد مفهوم تعليم الكبار:
تبين وجود خلط واضح بين مفهوم تعليم الكبار ومحو الأمية، حتى إن البعض يعتقد أن كليهما وجهان لعملة واحدة.. فتعليم الكبار يعني ببساطة كل الفرص التعليمية المتاحة للكبار في المجتمع، ومن هنا نجد فئة من الكبار يرغبون في الحصول على أساسيات المعرفة من قراءة وكتابة وحساب، وفئة أخرى ترغب في مواصلة التعليم العام أو الجامعي، وفئة ثالثة يعملون في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وقد حدث في مجال عملهم نوع من التطور، ومن ثم تسعى المؤسسات إلى تنظيم دورات تدريبية لهم حتى يستطيعوا أن يتكيفوا مع طبيعة العمل الجديد.. وفئة رابعة ترغب في التأهيل لعمل جديد، ومن هنا تلتحق بدورات تدريبية لتحقيق هذا الهدف، وفئة خامسة تتأهل لتتولى مناصب قيادية في المجتمع، ولا يمكن تحقيق ذلك دون حصولهم على دورات تدريبية في فن القيادة وأسلوب التعامل مع الرؤساء والمرؤوسين والتعرف على النظم الإدارية والمالية.. الخ"(1).
بينما تعني الأمية الجهل بالقراءة والكتابة، والشخص الذي يعرف القراءة ولا يعرف الكتابة يسمى شبه أمي(1). وهي عملية مرحلية تنتهي بالقدرة على الاستيعاب الكامل للأطفال في سني الدراسة، وإما بالقيام بعملية تغيير أساسية ومرحلية للقضاء على الأمية(1). وهي تؤدي إلى بروز نتائج اجتماعية وخيمة تتطلب مالا وجهدًا ووقتًا لعلاجها، وهي مظهر من مظاهر التخلف الاجتماعي والاقتصادي وعائق من عوائق التنمية(1).
والأمية تقترن بتدني الأحوال الصحية في المجتمعات، والبطالة، والفساد الاجتماعي، والقيم الهابطة مثل عدم تقدير الوقت، وعدم الاهتمام بنظافة البيئة، وعدم التعاون مع الجهات المسؤولة، وكلها أمور تؤدي إلى أعاقة أو بطء في تنفيذ الطموحات التنموية المنشودة(1).
تقويم برامج تعليم الكبار:
إن التقويم له أهداف لا بد من الإلمام بها، في مجالات تعليما لكبار أهمها العمل على تطوير هذه البرامج، ومنها أيضًا:
1) التعرف على ما تحقق من الأهداف التي سبق تحديدها.
2) قياس نسبة التقدم الذي أحرزه البرنامج.
3) التعرف على تأثير وفاعلية البرنامج مع الدراسين.
4) مدى ملاءمة طرق التدريس التي يقدمها البرنامج.
5) الحصول على المعلومات عن واقع البرنامج لتكون بمثابة العون للعاملين في مجالات تعليم الكبار.
الاهتمام بالتعليم الوظيفي للكبار:
إن التعليم الوظيفي للكبار يمثل مجهودًا تدريبيًا شاملاً يربط بين التعليم والحياة، وبين المدرسة والبيئة، فبدلا من اعتبار تعليم القراءة والكتابة أهدافًا في حد ذاتها، فإنها تعتبر وسيلة لتنمية الإنسان من جميع جوانبه، وأيضًا لخدمة بيئته الاقتصادية والاجتماعية"(1).
توصيات ومقترحات:
1- الإشراف الكامل على كل ما تقدمه مؤسسات تعليم الكبار
2- التنسيق بين ما تقدمه مؤسسات تعليم الكبار المختلفة.
3- إنشاء مؤسسات لتعليم الكبار لمواجهة الحاجات الجديدة والملحة التي تظهر في المجتمع
4- عقد دورات تدريبية للمشتغلين في مجالات تعليم الكبار.
5- الاتصال بالهيئات الدولية المهتمة بتعليم الكبار للاستفادة من خبراتها في هذا المضمار.
6- إجراء البحوث والدراسات على ما تقدمه مؤسسات تعليم الكبار من برامج وأنشطة لمواجهة التغييرات السريعة
التطبيقات التربوية للدراسة:
1) إن القراءة الصامتة تحل تدريجيًا محل القراءة الجهرية لذلك نوصي المعلم والمعلمة بالحرص على تدريب الدارسين والدارسات على القراءة الصامتة لأن ذلك يعود القاريء على القراءة الصامتة ويؤدي به إلى اكتساب مهارة القراءة الصحيحة لأنها تعتمد على الفهم والتمعن وتقترن بحركات سليمة للعين ولا تشتت انتباه القاريء بالتمتمة بالألفاظ أو تحريك الشفتين.. كما أنها تعود الدارس أو الدارسة على القراءة الصوتية (الجهرية) للحروف الأبجدية وإن كانت مفيدة في التهجي لا يتمشى مع حركة العين في الرؤية يجعل القاريء بطيئًا لأنه يوجه جهده إلى ألألفاظ فتضيع المعاني(1).
2) لما كانت حركة العين أسرع من حركة الصوت، فإن الصوت يعوق سرعة العين في القراءة الجهرية، والعين لا تحتمل التأخير أثناء الوقفات، وهذا يسبب للقاريء توترات عصبية، وتقلل القراءة الجهرية من سرعة القاريء لذلك نوصي المعلم والمعلمة باستخدام أسلوب القراءة الصامتة في تعليم الدارسين والدارسات بمراكز محو الأمية وتعليم الكبار مهارات القراءة والكتابة، لما يتصف به هذا الأسلوب من سرعة في الأداء وقدرة على استرجاع الكلمات، وإتاحة الفرصة للوصل إلى الكلمات أثناء القراءة والتدريب على التفكير وسرعة القراءة.
3) لما كان الدارسون والدارسات في مرحلة المكافحة بمراكز محو الأمية وتعليم الكبار هم الذين لم ينالوا أي قسط من التعليم لذلك نوصي المعلمين والمعلمات بتركيز اهتمامهم بالدرجة الأولى على تعليم مهارات القراءة والكتابة باعتبارها الأساس الذي ينطلق منه الدارسون والدارسات إلى سائر وجوه المعرفة.
4) من الأخطاء الواردة في تعليم الدارسين والدارسات بمدارس محو الأمية وتعليم الكبار إهمال المعلم والمعلمة ربط القراءة والكتابة معًا منذ الوهلة ألأولى ويترتب على هذا الخطأ أن كثيرًا من الكبار لا يكتبون بدرجة الجودة تتناسب مع إجادتهم القراءة، وأن بعض الكبار يقرأ ولا يكتب، وهذا ما لاحظه الباحثون خلال زيارتهم لبعض مدارس محو الأمية لذلك فإنه يجدر بالمعلم والمعلمة الربط بين القراءة والكتابة وعليه في المرحلة ألأولى للتعليم مهارات القراءة والكتابة، وعليه أن يعتقد بأن القراءة ليست فقط وسيلة للكتابة وإنما الكتابة أيضًا وسيلة للقراءة(1).
5) نوصي المعلم بأن يتدرج في تعليم الدارسين والدارسات بمراكز محو الأمية وتعليم الكبار مهارات القراءة والاملاء من مرحلة التعرف على الكلمات والحروف واستخدامها في تركيب كلمات وجمل صحيحة وبسيطة، إلى مرحلة الانطلاق في القراءة والكتابة حتى يصلوا في نهايتها إلى القدرة على قراءة الصحف والمجلات والارشادات والتعليمات الصادرة من الجهات ذات العلاقة بمهنة الكبير.
6) كما نوصي المعلم والمعلمة في مراكز محو الأمية وتعليم الكبار بالتثبت من رؤية الدارسين والدارسات للكلمة أثناء النطق بها، لأنه إذا لم يتم النظر والقول في وقت واحد فإن الارتباط المتوقع قد لا يكون سليمًا لتكوين الاتجاه الصحيح في القراءة لدى الدارسين والدارسات منذ بداية تعلمهم.
7) كما نوصي المعلم والمعلمة بأن يسلك الدارسين والدارسات مسلكًا تربويًا مناسبًا وهادفًا يجعل حصة القراءة والكتابة مليئة بالأنشطة المرتبطة باحتياجات الدارسين والدارسات، وأن يكثر من التمرينات ويقلل من القواعد النظرية وأن يراعي التدرج من السهل إلى الصعب ومن القطع الاملائية القصيرة إلى القطع الاملائية الطويلة، مسايرًا في ذلك نمو مهارات الدارسين والدارسات.
مراجع البحث
(1) كولز: أدوين ك. تاونسند، ، تعليم الكبار في الدول النامية، ترجمة: ياسر الفهد، عدنان الأحمد، الناشر: وزارة الثقافة، دمشق، 1992م.
(2) صابر: محي الدين ، الأمية مشكلات وحلول، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1986م.
(3) الخنكاوي: ابراهيم محمد ابراهيم، تعليم الكبار ومشكلات العصر، دراسات وقضايا، الطبعة الأولى، 1416هـ الناشر: دار الأندلس للنشر والتوزيع، حائل.
(4) بدوي: أحمد زكي ، معجم مصطلحات العلوم الإجتماعيةمكتبة لبنان، بيروت، 1986م.
(5) السنبل: عبدالعزيز عبدالله ، وآخرون، نظام التعليم في المملكة العربية السعودية، الطبعة الخامسة، 1416هـ الناشر: دار الخريجي للنشر والتوزيع، الرياض.
(6) الحميدي: عبدالرحمن بن سعد، بحوث ودراسات في مجال محو الأمية وتعليم الكبار، الجزء الأول، الطبعة ألأولى، عام 1413هـ 1993م،
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد.
فالأمية في الوقت الحاضرة تعتبر مشكلة اجتماعية معقدة، فهي سبب رئيس من أسباب التخلف في المجتمعات، وفي الوقت نفسه تعتبر نتيجة وسببًا للتخلف، لذلك كانت الأمية ومكافحتها تتصدر مشروعات التنمية في البلاد النامية، لأنها تتعارض مع روح الحضارة المعاصرة وأسلوب انتاجها، وهي بحق تعتبر عائقًا من عوائق التنمية.
تمهيد
هناك العديد من التعاريف لمصطلح تعليم الكبار، ويعد هذا النوع من التعليم، بالنسبة لعدد كبير من الكبار في العالم اليوم، بديلا عن التعليم الأساسي الذي فاتهم، كما أنه بالنسبة للكثيرين ممن لم يتلقوا تعليمًا كافيًا يعد متممًا للتعليم الأولي أو المهني، وهو بالنسبة لأولئك الذين يساعدهم على الاستجابة للمتطلبات الجديدة التي تفرضها عليهم بيئتهم، امتدادًا للتعليم وتوسيعًا له.
ويوفر تعليم الكبار أيضًا تعليمًا إضافيًا للذين حصلوا بالفعل على مستوى عال من التدريب، وهو كذلك أداة للتطوير الفردي لكل إنسان، وقد يكون أحد هذه الجوانب أكثر أهمية في بلد ما ، منه في بلد آخر، لكنها جميعها صحيحة وصائبة.
ولم يعد تعليم الكبار بعد اليوم مقصورًا على المستويات الأولية، أو محصورًا بالتعليم الثقافي للأقلية، ويكتسب تعليم الكبار أهمية خاصة لدرجة أنه قد يكون حاسمًا في نجاح النشاطات المدرسية لغير الكبار، إذ أن من غير الممكن أن نفصل التعليم الأولي للأطفال عن المستويات التربوية لآبائهم وأمهاتهم، ومن الواضح أنه ليس بوسعنا إعداد الأجيال الصاعدة بصورة مناسبة ولائقة في بيئة أمينه(1).
وبما أن تطور التربية يعتمد على الإفادة إلى أقصى حد ممكن، من مقدرات جميع الأفراد على تعليم الآخرين، أو المساعدة على تدريبهم، فإن من غير الممكن العمل على زيادة عدد الأشخاص المحترفين الذين يعملون في سبيل الأهداف التربوية إلا بتدعيم تعليم الكبار.
لذلك فإنه يتوجب علينا ألا نرى في تعليم الكبار نقيضًا لتعليم الأطفال والصغار، إذ أن مفهوم التربية العالمية يتجاوز المظهر الخارجي للتناقض، بحيث يسمح لكلا الطرفين الاندراج بشكل متعادل في وقت واحد ضمن إطار خدمة الأهداف التربوية العامة، من أوسع معانيه، وبالتالي فإن ذلك يستتبع أن يكون تعليم الكبار لا يمكن اعتباره بعد الآن مجرد قطاع هامشي من النشاط، في أي مجتمع، بل يجب أن يحتل مكانه اللائق في السياسات والميزانيات التربوية، وهذا يعني بالضرورة ربط التعليم المدرسي والتعليم خارج المدرسة في كل واحد متماسك(1).
لذلك فإنه من الضروري أن تتضمن الاستراتيجيات التربوية في العقود القادمة تطويرًا سريعًا لتعليم الكبار، داخل المدرسة وخارجها، وأن يكون لهذا التطوير الأولوية في أهدافها.
يعاني تعليم الكبار في الوطن العربي من الكثير من المشكلات والصعاب والتحديات، وهو يواجه ظروف خارجية وموضوعية، ذات علاقة متعددة ومتشعبة ومتداخلة ، ومن أبرز التحديات التي تواجه تعليم الكبار ما يلي:
1- التركيب الاجتماعي للمجتمعات ومدى تقدمه أو جموده، ومدى عصريته وتقليديته.
2- المجالات التشريعية التي تتصل بالحقوق والواجبات في حق التعليم وحق العمل والمشاركة الاجتماعية في المستويات المختلفة في صنع القرارات وصياغة الحياة السياسة.
3- المجالات الادارية المتعلقة بأنماط الإدارة وصورها من مركزية ولا مركزية مع ما يمكن أن يتوفر لهذا النمط من حجم المشاركة ونوعها.
4- المجال الاقتصادي والمالي ومناشطهما الأساسية وطبيعتهما الاجتماعية ويتصل بها أسلوب التخطيط ونوعه.
5- المجال الاجتماعي وسياسة الرعاية الاجتماعية وطبيعتها والضمانات المختلفة التي تتضمنها، وكذلك المجالات الفنية المتصلة بالتعليم نفسه بنيانًا وإدارة وأداء، وغير ذلك(1).
ومع أن الوسائل والتسهيلات الحالية لا تزال عاجزة عن تلبية الحاجات التربوية والثقافية لسكان العالم الكبار، فإن تقدم الخطوة خطوة ليس كافيًا، لذلك يجب القفز بخطوات جبارة إلى الأمام، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بتضافر الجهود وموارد الأفراد والمؤسسات العامة، ولا بد من اتخاذا بعض الاجراءات منها:
1- استخدام جميع المنشآت المدرسية (المدارس الأولية والثانوية والفنية) لصالح نشاطات تعليم الكبار، وزيادة أعداد المقبولين من الكبار في مؤسسات التعليم العالي.
2- إيجاد مؤسسات خاصة لتعليم الكبار، أو دمج النشاطات خارج المدرسة، من أجل مساعدة ا لكبار على تأدية أعمالهم بصورة أفضل كمواطنين أو كمنتجين أو كمستهلكين أو كآباء.
3- تعزيز تنظيم الفعاليات التربوية للفرد والجماعة، وتشجيع التعليم الذاتي، وتطوير المبادرة الذاتية وجعل جميع الوسائل التربوية في متناول أكبر عدد من الناس.
لذلك فإن هذا العمل لا يمكن تحقيقه إلا بالدعم المالي والفني من الدولة، وبالتعاون مع القطاعين الصناعي والزراعي معًا، ولكن الكثير من ذلك يعتمد على مبادرة الفرد والجماعة معًا، وهذا الدور الذي تنطوي عليه المبادرة الخاصة يوفر ضمانة أساسية بأن الحرية والتنوع سيكونان في موضع الاحترام كما أنه يشجع الابتكار التربوي(1).
تحديد مفهوم تعليم الكبار:
تبين وجود خلط واضح بين مفهوم تعليم الكبار ومحو الأمية، حتى إن البعض يعتقد أن كليهما وجهان لعملة واحدة.. فتعليم الكبار يعني ببساطة كل الفرص التعليمية المتاحة للكبار في المجتمع، ومن هنا نجد فئة من الكبار يرغبون في الحصول على أساسيات المعرفة من قراءة وكتابة وحساب، وفئة أخرى ترغب في مواصلة التعليم العام أو الجامعي، وفئة ثالثة يعملون في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وقد حدث في مجال عملهم نوع من التطور، ومن ثم تسعى المؤسسات إلى تنظيم دورات تدريبية لهم حتى يستطيعوا أن يتكيفوا مع طبيعة العمل الجديد.. وفئة رابعة ترغب في التأهيل لعمل جديد، ومن هنا تلتحق بدورات تدريبية لتحقيق هذا الهدف، وفئة خامسة تتأهل لتتولى مناصب قيادية في المجتمع، ولا يمكن تحقيق ذلك دون حصولهم على دورات تدريبية في فن القيادة وأسلوب التعامل مع الرؤساء والمرؤوسين والتعرف على النظم الإدارية والمالية.. الخ"(1).
بينما تعني الأمية الجهل بالقراءة والكتابة، والشخص الذي يعرف القراءة ولا يعرف الكتابة يسمى شبه أمي(1). وهي عملية مرحلية تنتهي بالقدرة على الاستيعاب الكامل للأطفال في سني الدراسة، وإما بالقيام بعملية تغيير أساسية ومرحلية للقضاء على الأمية(1). وهي تؤدي إلى بروز نتائج اجتماعية وخيمة تتطلب مالا وجهدًا ووقتًا لعلاجها، وهي مظهر من مظاهر التخلف الاجتماعي والاقتصادي وعائق من عوائق التنمية(1).
والأمية تقترن بتدني الأحوال الصحية في المجتمعات، والبطالة، والفساد الاجتماعي، والقيم الهابطة مثل عدم تقدير الوقت، وعدم الاهتمام بنظافة البيئة، وعدم التعاون مع الجهات المسؤولة، وكلها أمور تؤدي إلى أعاقة أو بطء في تنفيذ الطموحات التنموية المنشودة(1).
تقويم برامج تعليم الكبار:
إن التقويم له أهداف لا بد من الإلمام بها، في مجالات تعليما لكبار أهمها العمل على تطوير هذه البرامج، ومنها أيضًا:
1) التعرف على ما تحقق من الأهداف التي سبق تحديدها.
2) قياس نسبة التقدم الذي أحرزه البرنامج.
3) التعرف على تأثير وفاعلية البرنامج مع الدراسين.
4) مدى ملاءمة طرق التدريس التي يقدمها البرنامج.
5) الحصول على المعلومات عن واقع البرنامج لتكون بمثابة العون للعاملين في مجالات تعليم الكبار.
الاهتمام بالتعليم الوظيفي للكبار:
إن التعليم الوظيفي للكبار يمثل مجهودًا تدريبيًا شاملاً يربط بين التعليم والحياة، وبين المدرسة والبيئة، فبدلا من اعتبار تعليم القراءة والكتابة أهدافًا في حد ذاتها، فإنها تعتبر وسيلة لتنمية الإنسان من جميع جوانبه، وأيضًا لخدمة بيئته الاقتصادية والاجتماعية"(1).
توصيات ومقترحات:
1- الإشراف الكامل على كل ما تقدمه مؤسسات تعليم الكبار
2- التنسيق بين ما تقدمه مؤسسات تعليم الكبار المختلفة.
3- إنشاء مؤسسات لتعليم الكبار لمواجهة الحاجات الجديدة والملحة التي تظهر في المجتمع
4- عقد دورات تدريبية للمشتغلين في مجالات تعليم الكبار.
5- الاتصال بالهيئات الدولية المهتمة بتعليم الكبار للاستفادة من خبراتها في هذا المضمار.
6- إجراء البحوث والدراسات على ما تقدمه مؤسسات تعليم الكبار من برامج وأنشطة لمواجهة التغييرات السريعة
التطبيقات التربوية للدراسة:
1) إن القراءة الصامتة تحل تدريجيًا محل القراءة الجهرية لذلك نوصي المعلم والمعلمة بالحرص على تدريب الدارسين والدارسات على القراءة الصامتة لأن ذلك يعود القاريء على القراءة الصامتة ويؤدي به إلى اكتساب مهارة القراءة الصحيحة لأنها تعتمد على الفهم والتمعن وتقترن بحركات سليمة للعين ولا تشتت انتباه القاريء بالتمتمة بالألفاظ أو تحريك الشفتين.. كما أنها تعود الدارس أو الدارسة على القراءة الصوتية (الجهرية) للحروف الأبجدية وإن كانت مفيدة في التهجي لا يتمشى مع حركة العين في الرؤية يجعل القاريء بطيئًا لأنه يوجه جهده إلى ألألفاظ فتضيع المعاني(1).
2) لما كانت حركة العين أسرع من حركة الصوت، فإن الصوت يعوق سرعة العين في القراءة الجهرية، والعين لا تحتمل التأخير أثناء الوقفات، وهذا يسبب للقاريء توترات عصبية، وتقلل القراءة الجهرية من سرعة القاريء لذلك نوصي المعلم والمعلمة باستخدام أسلوب القراءة الصامتة في تعليم الدارسين والدارسات بمراكز محو الأمية وتعليم الكبار مهارات القراءة والكتابة، لما يتصف به هذا الأسلوب من سرعة في الأداء وقدرة على استرجاع الكلمات، وإتاحة الفرصة للوصل إلى الكلمات أثناء القراءة والتدريب على التفكير وسرعة القراءة.
3) لما كان الدارسون والدارسات في مرحلة المكافحة بمراكز محو الأمية وتعليم الكبار هم الذين لم ينالوا أي قسط من التعليم لذلك نوصي المعلمين والمعلمات بتركيز اهتمامهم بالدرجة الأولى على تعليم مهارات القراءة والكتابة باعتبارها الأساس الذي ينطلق منه الدارسون والدارسات إلى سائر وجوه المعرفة.
4) من الأخطاء الواردة في تعليم الدارسين والدارسات بمدارس محو الأمية وتعليم الكبار إهمال المعلم والمعلمة ربط القراءة والكتابة معًا منذ الوهلة ألأولى ويترتب على هذا الخطأ أن كثيرًا من الكبار لا يكتبون بدرجة الجودة تتناسب مع إجادتهم القراءة، وأن بعض الكبار يقرأ ولا يكتب، وهذا ما لاحظه الباحثون خلال زيارتهم لبعض مدارس محو الأمية لذلك فإنه يجدر بالمعلم والمعلمة الربط بين القراءة والكتابة وعليه في المرحلة ألأولى للتعليم مهارات القراءة والكتابة، وعليه أن يعتقد بأن القراءة ليست فقط وسيلة للكتابة وإنما الكتابة أيضًا وسيلة للقراءة(1).
5) نوصي المعلم بأن يتدرج في تعليم الدارسين والدارسات بمراكز محو الأمية وتعليم الكبار مهارات القراءة والاملاء من مرحلة التعرف على الكلمات والحروف واستخدامها في تركيب كلمات وجمل صحيحة وبسيطة، إلى مرحلة الانطلاق في القراءة والكتابة حتى يصلوا في نهايتها إلى القدرة على قراءة الصحف والمجلات والارشادات والتعليمات الصادرة من الجهات ذات العلاقة بمهنة الكبير.
6) كما نوصي المعلم والمعلمة في مراكز محو الأمية وتعليم الكبار بالتثبت من رؤية الدارسين والدارسات للكلمة أثناء النطق بها، لأنه إذا لم يتم النظر والقول في وقت واحد فإن الارتباط المتوقع قد لا يكون سليمًا لتكوين الاتجاه الصحيح في القراءة لدى الدارسين والدارسات منذ بداية تعلمهم.
7) كما نوصي المعلم والمعلمة بأن يسلك الدارسين والدارسات مسلكًا تربويًا مناسبًا وهادفًا يجعل حصة القراءة والكتابة مليئة بالأنشطة المرتبطة باحتياجات الدارسين والدارسات، وأن يكثر من التمرينات ويقلل من القواعد النظرية وأن يراعي التدرج من السهل إلى الصعب ومن القطع الاملائية القصيرة إلى القطع الاملائية الطويلة، مسايرًا في ذلك نمو مهارات الدارسين والدارسات.
مراجع البحث
(1) كولز: أدوين ك. تاونسند، ، تعليم الكبار في الدول النامية، ترجمة: ياسر الفهد، عدنان الأحمد، الناشر: وزارة الثقافة، دمشق، 1992م.
(2) صابر: محي الدين ، الأمية مشكلات وحلول، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1986م.
(3) الخنكاوي: ابراهيم محمد ابراهيم، تعليم الكبار ومشكلات العصر، دراسات وقضايا، الطبعة الأولى، 1416هـ الناشر: دار الأندلس للنشر والتوزيع، حائل.
(4) بدوي: أحمد زكي ، معجم مصطلحات العلوم الإجتماعيةمكتبة لبنان، بيروت، 1986م.
(5) السنبل: عبدالعزيز عبدالله ، وآخرون، نظام التعليم في المملكة العربية السعودية، الطبعة الخامسة، 1416هـ الناشر: دار الخريجي للنشر والتوزيع، الرياض.
(6) الحميدي: عبدالرحمن بن سعد، بحوث ودراسات في مجال محو الأمية وتعليم الكبار، الجزء الأول، الطبعة ألأولى، عام 1413هـ 1993م،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق