الابحاث المنشورة في المدونة من اعداد الباحث صاحب المدونة

مدونة التنمية والتطوير

السبت، 6 مارس 2010

التنمية الاسلامية


التنمية في الاسلام

مقدمة البحث:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا..

وبعد. فإن مفهوم التنمية يعتبر من أهم المفاهيم العالمية في القرن العشرين، حيث أُطلق على عملية تأسيس نظم اقتصادية وسياسية متماسكة فيما يُسمى بـ "عملية التنمية"، ويشير المفهوم لهذا التحول بعد الاستقلال -في الستينيات من هذا القرن- في آسيا وإفريقيا بصورة جلية. وتبرز أهمية مفهوم التنمية في تعدد أبعاده ومستوياته، وتشابكه مع العديد من المفاهيم الأخرى مثل التخطيط والإنتاج والتقدم.

وقد برز مفهوم التنمية Development بصورة أساسية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث لم يُستعمل هذا المفهوم منذ ظهوره في عصر الاقتصادي البريطاني البارز "آدم سميث" في الربع الأخير من القرن الثامن عشر وحتى الحرب العالمية الثانية إلا على سبيل الاستثناء، فالمصطلحان اللذان استُخدما للدلالة على حدوث التطور المشار إليه في المجتمع كانا التقدم المادي Material Progress، أو التقدم الاقتصادي Economic Progress.

وحتى عندما ثارت مسألة تطوير بعض اقتصاديات أوروبا الشرقية في القرن التاسع عشر كانت الاصطلاحات المستخدمة هي التحديث Modernization، أو التصنيع Industrialization.

والتنمية هي تغيير نمط الحياة التقليدية في المجتمعات النامية وتحديث وتطوير كافة الامكانات المتاحة في الدولة، وهي ذات غايات وأهداف ووسائل، وقد نشأت نتيجة للتطور الانساني والاختراعات في مختلف المجالات، ووسيلتها امتلاك القدرة العلمية والتكنولوجية والاطار التخطيطي والتنظيمي(1).

وقد برز مفهوم التنمية Development بداية في علم الاقتصاد حيث استُخدم للدلالة على عملية إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في مجتمع معين؛ بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل أفراده، بمعنى زيادة قدرة المجتمع على الاستجابة للحاجات الأساسية والحاجات المتزايدة لأعضائه؛ بالصورة التي تكفل زيادة درجات إشباع تلك الحاجات؛ عن طريق الترشيد المستمر لاستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة، وحسن توزيع عائد ذلك الاستغلال. ثم انتقل مفهوم التنمية إلى حقل السياسة منذ ستينيات القرن العشرين؛ حيث ظهر كحقل منفرد يهتم بتطوير البلدان غير الأوربية تجاه الديمقراطية. وتعرف التنمية السياسية: "بأنها عملية تغيير اجتماعي متعدد الجوانب، غايته الوصول إلى مستوى الدول الصناعية"، ويقصد بمستوى الدولة الصناعية إيجاد نظم تعددية على شاكلة النظم الأوربية تحقق النمو الاقتصادي والمشاركة الانتخابية والمنافسة السياسية، وترسخ مفاهيم الوطنية والسيادة والولاء للدولة القومية. (1).

ولاحقًا، تطور مفهوم التنمية ليرتبط بالعديد من الحقول المعرفية. فأصبح هناك التنمية الثقافية التي تسعى لرفع مستوى الثقافة في المجتمع وترقية الإنسان، وكذلك التنمية الاجتماعية التي تهدف إلى تطوير التفاعلات المجتمعية بين أطراف المجتمع: الفرد، الجماعة، المؤسسات الاجتماعية المختلفة، المنظمات الأهلية.

بالإضافة لذلك استحدث مفهوم التنمية البشرية الذي يهتم بدعم قدرات الفرد وقياس مستوى معيشته وتحسين أوضاعه في المجتمع.

مفهوم التنمية:

إن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان وفطره على جملة من النوازع والرغبات، كما أنه وضع لصحته العامة شروطًا وحدودًا، وجعل لعيشه في مجتمعه معافى شروطًا أخرى، لا تقل صرامة، وهو بعد ذلك أمره بجملة من الأوامر، وطالبه بعدد من المطالب.. وحتى يستطيع التوفيق بين شروط عيشه ورقيه وبين القيام برسالته على هذه الأرض، فإن عليه أن يبذل الكثير من الجهد على مستوى التفكير، وعلى مستوى العمل(1).

تعريفات التنمية:

عرفت التنمية بعدة تعريفات، وكل منها حسب المنظار الذي ينظر إليه من خلالها، سواء كان اجتماعيًا أم اقتصاديًا أم سياسيًا أم ثقافيًا، وغير ذلك، في حين تعرف التنمية الشاملة من جميع النواحي بأنها التنمية التي تحرر الإنسان من عبودية الطبيعة والتخلف الاقتصادي ومن استبداد المؤسسات التقنية ومن البناء الطبقي غير العادل ومن الاستغلال السياسي ومن الاغتراب الثقافي والنفسي في جميع مناحي الحياة(1).

ويعرف البعض التنمية بأنها الجهود المنظمة التي تبذل وفق تخطيط مرسوم للتوفيق بين الامكانات البشرية والمادية المتاحة في وسط اجتماعي معين بقصد تحقيق مستويات أعلى للدخل القومي والدخول الفردية ومستويات أعلى للمعيشة والحياة الاجتماعية في نواحيها المختلفة كالتعليم والصحة والوصول إلى تحقيق مستوى عال من الرفاهية الاجتماعية(1)..

وهذا تعريف يشمل جميع أنواع التنمية التي ستأتي فيما بعد.



أهداف التنمية بصفة عامة:

1- تعميق أسس المشاركة السياسية في اتخاذ القرار على جميع المستويات.

2- تهيئة البيئة الثقافية التي تسمح بأقصى إمكانيات العطاء والإبداع وتحقيق الذات.

3- توفير ضمانات الأمن الشامل على مستوى الفرد والمجتمع والوطن.

4- تصفية بناء التبعية وإبطال مفعول آلياتها.

5- تكوين قاعدة وإطلاق طاقات إنتاجية ذاتية دائمة يتحقق بموجبها تزايد مستمر في متوسط إنتاجية الفرد ونوعية قدرات المجتمع.

6- تأكيد ضرورة الترابط بين الجهد والمكافأة.

7- توفير الاحتياجات الأساسية ومتطلبات الوجود الحيوي.

8- تهيئة المجتمع لأداء رسالته الحضارية من خلال تأكيد هويته وتنمية شخصيته القومية ومواصلة عطائه الحضاري في ظل انتمائه الإنساني(1).



أنواع التنمية:



التنمية الاجتماعية:

مفهوم التنمية الاجتماعية على مشكلات معينة تتعلق بتحديده وتعريفه، فهذا التعبير ليس واضحًا وضوح المفهوم الذي يعني التنمية الاقتصادية، وترجع هذه الصعوبة في تحديد مفهوم التنمية الاجتماعية إلى عدم وضوح كلمة (الاجتماعية) والخلط في استخدامها حيث يقصد بها عدة وجوه كما في المفهوم الماركسي وأدامز وفيريل وآرون وهوزلتز وغيرهم(1). والتنمية الاجتماعية تهدف إلى تطوير التفاعلات المجتمعية بين أطراف المجتمع: الفرد، والجماعة، والمؤسسات الاجتماعية المختلفة، والمنظمات الأهلية.

وهي تشتمل على النمو وعلى التغير، والتغير بدوره اجتماعي وثقافي كما هو اقتصادي، وهي تعني الاحاطة بجميع جوانب وتغيرات المجتمع بصفة كيفية وعميقة وشاملة(1).

وعلى الرغم من أنه يصعب وضع حدود فاصلة بين كل من التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية، فإنه يمكن أن نحدد أهم جوانب التنمية الاجتماعية والواجبات بطريقة فعالة من خلال:

1- الممارسة الصحيحة للحقوق والواجبات وأن يمارس هذه الحقوق والواجبات بطريقة فعالة. وهذا بدوره يؤدي إلى إثارة قضية تربوية على درجة كبيرة من الأهمية تتعلق أساسا بالتنمية الاجتماعية.

2- الاستفادة من الخدمة الاجتماعية ولا شك أن الاستفادة من هذه الخدمة تتطلب درجة معينة من الوعي من جانب المواطن وواضح أن المشكلة في جوهرها تربوية وتتصل اتصالا مباشرا وثيقًأ بالتنمية الاجتماعية.

3- تنمية الاتجاهات الصحيحة لدى الفرد نحو الأمور الحيوية والتي تؤثر بصورة مباشرة على التنمية الاقتصادية.

4- ولا شك أن الآثار الاجتماعية المترتبة على كل هذه الأمور بالنسبة للفرد والمجتمع تعتبر كلها مشكلات تربوية هامة، لها خطرها بالنسبة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية(1).

5- من بين الأولويات والأسلوب فإنه نظرًا لما يتطلبه التعليم من أعمال كثيرة لا يجنى عائدها إلا في المستقبل البعيد فلا بد أن يتمشى التعليم مع مطالب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والامكانات المالية للدولة فمن الواجب إذن أن نعطي عناية كبيرة للأولويات في التعليم وهذا يعني تخطيط التعليم في ضوء هذه الأولويات والاعتبارات.

لذلك فإن الغاية من التنمية الاجتماعية في مجال التعليم هو خلق المواطن الاجتماعي القادر على التفكير والعمل والانتاج على المشاركة في العلاقات الاجتماعية، وعلى العمل في جماعة وعلى المساهمة في الأهداف القومية وبناء الدولة وتعليم القراءة والكتابة والحساب وحقائق العلوم المختلفة من وسائل هذا كله لكنه ليس كل الوسائل، حيث هناك الممارسة العملية والاندماج في البيئة على أساس من العلم والدراسة(1).



التنمية السياسية:

التنمية السياسية "هي عملية تغيير اجتماعي متعدد الجوانب، غايته الوصول إلى مستوى الدول الصناعية, من خلال إيجاد نظم تعددية, تحقق النمو الاقتصادي, والمشاركة الانتخابية, والمنافسة السياسية"، ثم تطور مفهوم التنمية ليرتبط بالعديد من الحقول المعرفية, فأصبح هناك التنمية الثقافية, التي تسعى لرفع مستوى الثقافة في المجتمع, وترقية الإنسان.

إن التنمية السياسية لا تقضي على الدولة أو تؤدي إلى قيام حكومة عالمية، ولكن قد تعني قيام مرحلة سياسية جديدة تنتقل فيها السياسات من حيث القرارات والتشريعات والنشاط من المجال المحلي القومي الوطني، إلى المجال العالمي، وبذلك ستكون لهذه التغيرات السياسية آثار عظيمة على نظم التربية خاصة في مجال تحديد السياسات واتخاذ القرارات التعليمية، كما ستفقد الدولة جزءًا كبيرًا من قدرتها على اتخاذ القرارات وإقرار السياسات والبرامج، كما أن مؤسسات التعليم المدني والمحلية والعالمية سوف يزداد تأثيرها في مجال وضع السياسات واتخاذ القرارات التعليمية(1). هذا بالاضافة إلى أن التعاون والتنسيق مع التكتلات الاقليمية التي تنتمي إليها الدول سيكون أمرًا هامًا إذا أرادت بعض الدول أن تحافظ على عناصر هويتها وتوجهاتها الحضارية الوطنية والقومية.



التنمية الاقتصادية:

لقد تضاعف النشاط الاقتصادي أكثر من أربعين ضعفًا بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك نتيجة للتغيرات الاقتصادية وعلاقتها بالعولمة، وقد حدثت التنمية في جميع المجالات الاقتصادية، وقد فاقت إجمالي الناتج المحلي العالمي، كما توسعت تجارة الخدمات بشكل كبير، والتي تشكل 20% من إجمالي التجارة العالمية، وهذا النمو المذهل في التبادل التجاري يعكس بوضوح كيف أن الإنتاج يتعولم بسرعة كبيرة، إضافة إلى تدفق رؤوس الأموال بين الدول والذي يظهر من خلال أسواق الصرف العالمية(1).



التنمية في المفهوم الإسلامي:

تُعالج ظاهرة النمو (في المفهوم العربي الإسلامي) كظاهرة جزئية من عملية الاستخلاف التي تمثل إطار حركة المجتمع وتحدده، وكذلك نجد مفهوم "الزكاة" الذي يعني لغة واصطلاحًا الزيادة والنماء الممزوجة بالبركة والطهارة، وسمى الإخراج من المال زكاة وهو نقص منه مادياً بمعايير الاقتصاد، في حين ينمو بالبركة أو بالأجر الذي يثاب به المزكي من الله تعالي. وهو ما يقارن بالعكس بالربا الذي قال عنه الله (يمحق الله الربا ويربي الصدقات)(1).

ويتضح من ذلك أن مفهوم التنمية والنمو في الفكر الإسلامي يُعبر عن الزيادة المرتبطة بالطهارة والبركة وأجر الآخرة وإن لم يتجاهل مع هذا "الحياة الطيبة" في الدنيا، بينما يركز مفهوم Development على البعد الدنيوي من خلال قياس النمو في المجتمعات بمؤشرات اقتصادية مادية في مجملها، حيث تقوم المجتمعات بالإنتاج الكمي، بصرف النظر عن أية غاية إنسانية، وتهتم بالنجاح التقني ولو كان مدمرًا للبيئة ولنسيج المجتمع، وتؤكد على التنظيم الاجتماعي (1).



الفرق بين النمو والتنمية:

1- النمو ينظر إليه على أنه عملية تلقائية تحدث من غير تدخل من جانب الإنسان.

2- التنمية لا تشير إلى النمو التلقائي، بل تشير إلى النمو المتعمد الذي يتم عن طريق الجهود المنظمة التي يقوم بها الإنسان لتحقيق أهداف معينة.

3- يختلف النمو عن التنمية في اصطلاح التغير والتأخر.



مفهوم وأبعاد التنمية في الاقتصاد الإسلامي:

إن التنمية في الإسلام هي عمارة البلاد لقوله سبحانه: "هو أنشأكم في الأرض واستعمركم فيها "( 1) حيث أن السين و التاء في قوله تعالى دليل على الوجوب( 2).

ومن هنا كانت عمارة الأرض فريضة دينية من حيث أنها أمر من الله واجب التنفيذ، على المستخلفين أن يتخذوا التدابير اللازمة لتحقيقه و القيام به على الوجه الأمثل، إلا أن الجهد الإنمائي في الإسلام لا يقتصر على إعمار الأرض وما بها من مخلوقات سخرها الله لخدمة البشر وإنما يمتد ليحقق أسس التوزيع العادل لهذا النمو المادي ذلك أن العدل وإنصاف المظلوم وتجنب الظلم مع ما في ذلك من الأجر يزيد به الخراج وتكثر به عمارة البلاد، والبركة مع العدل وهي تفقد مع الجور، و الخراج المأخوذة مع الجور تنقص به البلاد و تحزب (3).

فالتنمية في الإسلام هي عمارة البلاد من خلال تحقيق التقدم الاقتصادي وتوفير عدالة التوزيع، ويتمثل ذلك في الوصول بالمستويات الإنتاجية و التوزيعية إلى تحقيق مستوى الكفاية لكل فرد يضمه المجتمع الإسلامي(4).

إن الإسلام يعالج مشكلة التنمية من جانبها الإنساني حيث يوجهها في مسالكها الصحيحة(5).



ويستند المدخل الإسلامي للتنمية على الأسس الفلسفية التالية: (6)

1. التوحيد (وحدانية الله و حاكميته) وهذا يحكم قواعد العلاقة بين الله والإنسان وبين الإنسان و الإنسان.

2. الربوبية ( الترتيبات الإلهية للغذاء و العيش و توجيه الأشياء لكي تبلغ كمالها) وهذا هو القانون الأساسي للكون الذي يلقي ضوءا على النموذج الإلهي للتنمية النافعة للموارد و الاشتراك في دعمها و قسمتها.

3. الخلاصة: دور الإنسان يوصفه خليفة الله في أرضه و هذا ما يحدد منزلة الإنسان ودوره بتعيين مسؤوليات الإنسان، من حيث هو إنسان، و المسهم، والأمة الإسلامية على أنها محل هذه الخلافة.

4. التزكية ( التطهير والنماء)، فإن مهمة جميع رسل الله كانت الإنسان في علاقاته بالله، بالإنسان، ببيئته الطبيعية، بالمجتمع و بالدولة.

إن المفهوم الإسلامي للتنمية إنما يجب أن يستقى من مفهوم الإنسان في التزكية، لأنها تتوجه لمشكلة التنمية الإنسانية بكل أبعادها و لأنها معنية بالنماء و التوسع في اتجاه الكمال من خلال تطهير المواقف و العلاقات، ونتيجة التزكية هي الفلاح في هذا العالم و العالم الآخر.



وفي ضوء هذه المبادئ الأساسية يظهر أن للتنمية أبعادا تحددها ومعالم تميزها

كمشروع للنهوض الحضاري لابد من مراعاته عند اتخاذ أي خطوات إصلاحية في المجتمع ومنها: (7)



1. التنمية عملية بناء حضاري، تصمن التواصل الثقافي و الاجتماعي و الاقتصادي والسياسي، و التطور الحضاري للأمة بمعنى أن أي خطوات إصلاحية حقيقية ينبغي أن تتم في إطار التنمية الشاملة الفعلية التي تنطلق من الواقع الموضوعي الحضاري للأمة وتركز على المقومات و التقاليد و القيم الايجابية المستمدة من ثقافتها.

2. التنمية عملية ذات طبيعة شاملة فهي تتناول الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية و السياسية كما تتضمن المظاهر الخلقية و الروحية و المادية في آن واحد، حيث أن عملية التغيير تمس جميع تلك الجوانب والمظاهر التي تتسم بالترابط المتكامل والتأثير المتبادل.

3. التنمية عملية تغيير إداري منظم متواصل و متراكم، تتم في إطار إستراتيجية واضحة المعالم والمنطلقات محددة الأهداف و الوسائل تؤدي إلى الاستخدام الأمثل للموارد والتوزيع العادل للدخول و الثروات.

4. التنمية عملية تغيير تعتمد على الإمكانيات الذاتية: فالتنمية الذاتية تعني أن المجتمع يعتمد على نفسه، وقدرات أفراده للحد من التبعية والفقر وتحقيق الاستقلال الشامل والاكتفاء الذاتي من خلال ترشيد طاقاته المادية و المعنوية و تثمين الاستفادة منها، ضمن مشروع حضاري يعيد الاعتبار للنظم والتشريعات والقيم المرتبطة بهما.



التنمية عملية تنطلق من الإنسان، فالتنمية الصحيحة تنطلق من الإنسان بحفظ كرامته و رعاية حقوقه وحريته و رفع قيمته و زيادة كفاءته، وتنمية قدراته من أجل رفع درجة مساهمته الايجابية، ذلك أن التنمية تنطلق من الإنسان ثم تتجه لتغيير محيطه المادي وتهدف في النهاية إلى تحقيق سعادته.

إن موضوع التنمية في المفهوم الإسلامي هو الإنسان بكل مقوماته بما فيها عنصر الأموال، فالمستهدف هو ترقية هذه المقومات الإنسانية و تحسينها و حمايتها و التي جمعها علماء الإسلام في خمس مقاصد هي: الدين و النفس و العقل و النسل والمال و الوسيلة لتحقيق ذلك هي الإنسان بما لديه من مقومات، فالمنهج الإسلامي للتنمية موضوع يبدأ بالإنسان، ويستمر بالإنسان و وينتهي بالإنسان، فهو بالإنسان و للإنسان (8).



وعليه يمكن القول أن: »التنمية هي تغيير هيكلي في المناخ الاقتصادي و الاجتماعي يتبع تطبيق شريعة الإسلام و التمسك بعقيدته ويعبئ الطاقات البشرية للتوسع في عمارة الأرض والكسب الحلال بأفضل الطرق الممكنة في إطار التوازن بين الأهداف المادية والأهداف غير المادية (9).



الدور التنموي للزكاة في الاقتصاد الإسلامي:

1- فريضة الزكاة:

إن الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة فرضها الله على المسلمين تزكية لأموالهم وأنفسهم يتقربون بها إليه، وتمتاز بأنها فريضة مالية و دينية معا، يثاب فاعلها ويعاقب تاركها وهي حق معلوم في أموال الأغنياء وقدر الشرع مقدارها و جنسها وموعدها و وعاءها. فهي فريضة إلهية و طهارة للنفس و المال في آن واحد (10).



2- علاقة الزكاة بالتنمية في الاقتصاد الإسلامي:

تمارس فريضة الزكاة دورها الهام في تمويل التنمية حيث توفر موردا ماليا ضخما أومتجددا سنة بعد أخرى، فهي فريضة منوطة بكل مال تام مملوكا ملكا تاما لمسلم حر، خال من الدين، متى بلغ النصاب، و حال عليه الحول، وفي شروط جباية الزكاة تأكيد على وفرة حصيلتها بل و تزايدها مع تقدم المجتمع، حيث: (11)



1. تتمتع فريضة الزكاة بسعة وعائها، حيث ترتبط أساسا بالمال النامي أيا كانت صورته، ففي حين كانت الأموال المناطة في عهد الرسول ( صلى الله عليه و سلم) أربعة أنواع فقط: الأنعام السائمة والنقود من ذهب و فضة، الزروع والثمار، عروض التجارة، الكنوز. إلا أن هذا الوعاء اتسع ليشمل كل مال تام تحقيقا أو تقديرا بالفعل أوبالقوة، وذلك أن مبدأ دوران فريضة الزكاة مع النماء وجوبا يضم على الأموال التقليدية كل ما استحدث أو سيستحدث من أنواع الأموال واستثماراتها، ولو لم يكن جاء به نص عن رسول ( صلى الله عليه و سلم)، وفي ذلك مسايرة لما يفرزه التقدم وضمان لتزايد حصيلة الزكاة، مع ارتفاع مستوى النشاط الاقتصادي، كذلك فإن مبدأ ربط الزكاة بالأموال النامية فعلا أو تقديرا يؤدي إلى تنظيم حصيلتها و لو لم يحقق الاقتصاد أرباحا تذكر، ذلك أنها تفرض على الرصيد النقدي و لو لم يحقق ربحا بسبب عدم استغلاله.





2. إن تحديد نصاب للزكاة عند المستوى الذي لا يكفل سوى الحاجات الأساسية يضمن انسياب حصيلة وفيرة من الزكاة و تزايدها بانضمام أموال جديدة يتوافر لها النصاب مع بداية العملية الإنمائية و ارتفاع المستوى الاقتصادي لأعداد متزايدة من أفراد المجتمع.

3. إن تجدد فريضة الزكاة مع بداية كل حول هجري و مع كل حصاد يوفر للتنمية موردا منتظما يتجدد، ليس سنة بعد أخرى فحسب، إنما خلال السنة الواحدة لاختلاف بداية السنة من مزكي إلى آخر، و يجنب ذلك العملية الإنمائية مخاطر نقص الموارد التمويلية و خطورة استكمالها من الخارج، مما يعرقل نمو الاستثمارات القائمة ويعوق قيام استثمارات جديدة، بل إنه يضفي على الاقتصاد كله ثقة في الموارد التمويلية، تتأكد سنة بعد أخرى.





4. إن مقدار الزكاة المفروض على الأموال الزكائية يتراوح بين العشر ونصف العشر فيما سقت السماء و الأنهار و العيون و إن كان عشريا، و نصف العشر فيما سقي بالسواقي و ربع العشر في النقدين الذهب و الفضة، و في عروض التجارة على اختلافها. و يعتبر هذا المقدار موردا هاما لا يقل عن 2,5 % من كل مال تام في المجتمع و يتزايد هذا المورد بداهة مع نمو الاقتصاد ، كما يتجدد سنويا، فيجنب الاقتصاد الهزات الاقتصادية، و يحميه من مخاطر الدورات التجارية، إذ يتم تصحيح المتغيرات الاقتصادية باستمرار، دون الانتظار حتى تصل إلى وضع تراكمي يصعب معها علاجها.

5. كذلك تتميز الزكاة بتخصيص مواردها، حيث قام الشارع سبحانه بتحديد مصارفها تحديدا شاملا مانعا، ويسهم هذا التخصيص في زيادة الإيرادات العامة، لذا يطالب اقتصاديو الفكر الوضعي بتطبيقه في الدول النامية، و تأكيد في الحفز على إخراج الزكاة كاملة، و تأكيد على وفرة حصيلتها.

6. يضيف إلى أهمية الزكاة كمورد لتمويل التنمية صبغتها الإيمانية الأصيلة التي تدفع الأفراد إلى العمل على إخراج زكاتهم كاملة غير منقوصة كما يقطع الطريق على كل من تسول له نفسه اللجوء إلى التحايل للتهرب مما عليه من واجب الزكاة، فتأتي حصيلتها كاملة دون أي تسربات.

و مما يؤكد وفرة الزكاة كمورد لتمويل التنمية انخفاض نفقات جبايتها، بحيث لا تزيد عن الثمن، إذ أن للعاملين عليها سهما من ثمانية حددها المشرع سبحانه و تعالى فلا يزادون عليه، و بذلك تخصص حصيلة الزكاة – دون استقطاع كبير- لتحقيق دورها في تمويل التنمية في المجتمع الإسلامي.



دور الزكاة في تمويل التنمية و محاربة الفقر:

إن من أهم أهداف التنمية هو حدوث تحسن في توزيع الدخل لصالح الطبقة الفقيرة ( التخفيف من ظاهرة الفقر) فقد لوحظ في فترة الخمسينيات و الستينيات من هذا القرن أنه بالرغم من أن كثير من الدول النامية قد حققت معدلات نمو اقتصادي مرتفعة إلا أن النصيب النسبي من هذا الدخل لطبقة الفقراء فيها كان في تناقص مستمر، وهذا يعني أنه بالرغم من حدوث نمو اقتصادي إلا أن حالة الفقراء كانت تزداد بؤسا، وقد أثار هذا الأمر شكوك الاقتصاديين في مدى جدوى الجهود التي تبذلها هذه الدول في مجال النمو، بالنسبة للطبقة العريضة من السكان، ولذا أصبح شرطا من شروط التنمية أن يصاحب النمو الاقتصادي تحسن في توزيع الدخل لصاحب الطبقة الفقيرة.



ولكن السؤال الذي يطرح هنا هو: كيف نتعرف على حدوث انخفاض في ظاهرة الفقر ممثلا في تحسن توزيع الدخل لصالح الطبقة الفقيرة؟.

هنالك مداخل عديدة تحاول الإجابة عن هذا السؤال وسوف نقتصر فقط على ثلاثة مداخل منها، مدخل الفقر المطلق، مدخل الفقر النسبي و مدخل الدخل النسبي.



تمويل الزكاة المباشر للتنمية:

تؤكد المدارس الاقتصادية لتمويل التنمية إما على التمويل من جانب العرض أوالتمويل من جانب الطلب، وقد كان لكل من الاتجاهين ظروفه التاريخية الخاصة التي نشأت في ظلها نظريته و استقى منها مبرراته، أما التشريع الإلاهي للزكاة فقد نزل من لدن حكيم عليهم ليكون صالحا في كل زمان و مكان فلا ينتظر ظروف يعمل على مواجهتها و لا مشاكل يجهد في حلها ذلك انه جعل من مصارف الزكاة المنافذ التي تمول العملية الإنمائية من جانب العرض و الطلب على السواء.



المصادر:

(1) محي الدين صابر، من قضايا التنمية في المجتمع العربي، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1987م، ص: 17 بتصرف.

(2) مدخل إلى التنمية المتكاملة، رؤية إسلامية، د. عبدالكريم بكار، الطبعة الأولى، 1420هـ، الناشر: دار القلم، ص: 10.

(3) الاعلام والتنمية الشاملة، د. محمد منير حجاب، الناشر: دار الفجر الاسلامية، الأردن، طبعة 1998م، ص: 51.

(4) تحديات التنمية في الوطن العربي، د. أحمد محمود أبو الرب، الطبعة الثالثة، 1992م، ص: 151.

(5) دالعليم ابراهيم، الموجه الفني لمدرسي اللغة العربية، القاهرة، دار المعارف، ط1، 1381هـ 1962م، ص: 424.

(6) التنمية الاجتماعية، دكتورعبدالباسط محمد حسن، الطبعة الثامنة، عام 1422هـ الناشر: مكتبة وهيبة، القاهرة، ص: 91 بتصرف.

(7) (1)محمد منير مرسي، الادارة التعليمية أصولها وتطبيقاتها، القاهرة، عالم الكتب، 1404هـ 1984م، ص: 260 بتصرف.

(8) عبدالله: إبراهيم بن محمد . التعليم والأمن في عصر العلومة، مجلة المعرفة، العدد 53، شعبان 1420هـ، ص: 105.

(9) نعمت عبد اللطيف مشهور – الزكاة و تمويل التنمية- ( أبحاث ندوة: إسهام الفكر الإسلامي في الاقتصاد المعاصر ) القاهرة 1992، ص 679.

(10) خورشيد أحمد – التنمية الاقتصادية في في إطار إسلامي، قراءات في الاقتصاد الإسلامي جدة: جامعة الملك عبد العزيز، 1987، ص 102، ( محاضرات ألقيت في إطار المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة بتاريخ: 21-26 شباط 1976).

(11) صالحي صالح – المنهج التنموي البديل في الاقتصاد الإسلامي، القاهرة، دار الفجر، 2006 ص ص،109-115.

(12) عبد الحميد الغزالي – الانسان أساس المنهج الإسلامي في التنمية الاقتصادية – جدة:المعهد الإسلامي للبحوث و التدريب، البنك الإسلامي للتنمية، 14/14/1994ص60.

(13) عبد الرحمن يسري أحمد – دراسات في علم الاقتصاد الإسلامي – الإسكندرية: الدار الجامعية، 2001، ص 127.

ليست هناك تعليقات: