(التربية والمجتمع)
مقدمة:
إن كان الإنسان صانع الحضارات.. فالتربية هي صانعة الإنسان.. وحتى منذ فجر التاريخ، وحتى قبل أن يستقر الإنسان على قطعة من الأرض وحتى قبل أن يعرف الزراعة.. وحتى قبل أن يخترع الكتابة.. كانت هناك تربية.
فالتربية مؤسسة تابعة للمجتمع، فهي تعكس خصائصه الرئيسية، وتحقق أهدافه التي يسعى إليها، ونحن في هذا التحقيق نتناول التربية والمجتمع من عدة محاور وهي كما يلي:
أولا: من هم وكلاء التربية في المجتمع المعاصر؟
ثانيًا: ما أهمية التربية للمجتمع والفرد؟ وما العوامل التي أدت إلى ازدياد أهمية التربية في عصرنا الحاضر؟
ثالثًا: هل يعتبر أن تكون التربية محافظة؟
رابعًا: كيف يتأتى للتربية أن تقوم بدور حقيقي في تغيير وإصلاح الفرد والمجتمع؟ أي ما الشروط التي ينبغي أن تتوفر في التربية لكي تستطيع أن تسهم في بناء ورقي المجتمع؟.
أولا: وكلاء التربية في المجتمع المعاصر:
مدخل:
وكلاء التربية هم وسائط التربية، والمقصود من وسائط التربية: هي الوسائل أو المصادر التي يستقي منها التربية، أو عن طريقها ويتمرس الفرد بأساليب معايشته في الجماعة(1).
وقد تكون (وسائط تربوية متخصصة) في الأسرة والمدرسة، وقد تكون (وسائط تربوية غير متخصصة) كالإذاعة والصحافة والمسرح والسينما والأندية والمعارض، وفي التنظيمات السياسية وقدوة القادة، وفي التنظيمات القضائية ومن خلال المحاكم وأحكام القضاء، وكذلك تتمثل في تنظيمات الإدارة وأساليبها وفي الأوضاع والأحوال المدينية بأنواعها المختلفة، كالشرطة والانتخابات والمنافسة السياسية والشوارع بما فيها من تجمعات للأفراد وواجهات المحلات التجارية التي تعرض الأزياء والمنتجات الملصقة وحركة المرور وإشاراتها وضوابطها(2).
وهذه الوسائط تتفاعل فيما بينها، والإنسان هو محور هذا التفاعل، بحكم وجوده الاجتماعي والثقافي، وبما يمارسه من أساليب العمل أو التفكير، وبما لديه من قدرة على التكيف، مع ما يحيط به من الظروف ومقومات الحياة، ذلك أن فعل التربية بمضمونه الشامل لا تنفرد به مؤسسة واحدة من مؤسسات المجتمع، باعتبار أن عملية التطبيع الاجتماعي، قرينة لعملية التربية، وهي لا تقتصر على مؤسسة بعينها، أو على موقف واحد من مواقف الحياة، بل إنها عملية موصولة، وتشارك فيها جميع الدوائر الاجتماعية التي تتمثل في وسائط الثقافة (الأسرة، المدرسة، أماكن العبادة، أماكن التثقيف المتنوعة ووسائله إلى جانب التنظيمات السياسية والاقتصادية والمهنية وما يستحدثه أفراد المجتمع من وسائل اتصال وتجمع، مثل النقابات وجماعات الرفاق، الزملاء.. الخ(1).
(1) الأسرة:
الأسرة هي الجماعة الإنسانية الأولى التي يتفاعل معها الفرد، والتي يعيش فيها السنوات التشكيلية الأولى من عمره، فالأسرة هي المسؤولة ولا سيما في سنوات العمر المبكرة، عن كثير مما يرد للفرد من مؤثرات، وكلما كان العمر مبكرًا ازداد أهميتها، إذ تصبح هي المجال الرئيس لحياة الفرد، بل إن بعض علماء التربية يرون أن كفتها ترجح – إلى حد كبير – علىكفة العوامل الأخرى كلها مجتمعة.
وتتوقف آثار هذه العوامل جميعها فبصلاح الأسرة وجهودها الرشيدة تصلح آثار العوامل الأخرى، وبفسادها وانحراف أعمالها تنحرف كلها عن الغاية المرجوة، ولهذا أثره في تكوين شخصية الفرد(1).
وظيفة الأسرة التربوية:
1) أن الفرد ينال في الأسرة أولى مقومات النمو الجسمي والصحي، وذلك تبعًا لما توفره له من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، فالأسرة التي تعتني بتغذية أفرادها ورعايتهم، والعناية بهم، وتوفير كل أساليب الحياة الصحية، لا بد أن يكون أفرادها أقدر على مواجهة الحياة واكتساب خبراتها المختلفة في شتى الميادين والمجالات.
2) أن الفرد يتعلم في الأسرة اللغة، والتعبير، وطريقة الكلام، ولكل أسرة عاداتها الكلامية، والمقومات اللغوية الخاصة بها، وكلما كانت هذه العادات اللغوية والمفردات المستعملة رقيقة ومهذبة وتتميز بالوضوح والدقة أدى ذلك بالتالي إلى أن يكون الطفل أقدر على التعبير الصحيح والمهذب وأبعد عن المعاني والألفاظ النابية.
3) أن الفرد يستمد من الأسرة عاداته، وأخلاقه، وطباعه، وذلك تبعًا لما يسود الأسرة من مستويات اقتصادية وثقافية واجتماعية، وهو يحاكي – عادة – الكبار من أفراد الأسرة بل ويتقمص شخصياتهم في كثير من الأحيان بأسلوب أو بآخر.
4) أن الفرد يتعلم في الأسرة معاني العطف والتعاون والتضحية والبذل والصدق وتحمل المسؤولية واحترام الآخرين كما أنه يشعر بالأمن والاطمئنان لوجوده في كنف الأسرة فإذا توفرت هذه جميعها نشأ الطفل خاليًا من كثير من المشكلات النفسية والعاطفية والوجدانية(1).
(2) المدرسة:
المدرسة هي الأداة التي تعمل مع الأسرة على تربية الفرد، وهي أداة صناعية، غير طبيعية، إذا ما قورنت بالأسرة، ولكنها أداة ناجحة مقصورة على تربية الناشئين والشباب، فالمدرسة مؤسسة أنشأها المجتمع عن قصد لتحقيق أغراض معية لخدمته، فهي نقطة التقاء لعدد كبير من العلاقات الاجتماعية الشاملة والمعقدة وهذه العلاقات هي المسالك التي يتخذها التفاعل الاجتماعي وسيلة لتحقيق آمال المجتمع وأهدافه.
وظيفة المدرسة التربوية:
يمكن أن تكون المدرسة وسيلة متخصصة في التربية من خلال مجالات العمل فيها وذلك عن طريق:
(أ) (ب) (ج) (د)
الادارة المدرسية البرامج والمناهج المعلمين مجالس الآباء والمعلمين
أ/ الإدارة المدرسية:
الوظيفة الرئيسية للإدارة المدرسية : هي تهيئة الظروف وتقديم الخدمات التي تساعد على تربية التلاميذ وتعليمهم رغبة في تحقيق النمو المتكامل لهم، وذلك لنفع أنفسهم ومجتمعاتهم(1).
ب/ البرامج والمناهج الدراسية:
1- يجب أن يكون المنهج المدرسي مرنًا تبعًا لحاجات التلاميذ وميولهم وقدراتهم واستعداداتهم، وتبعًا لامكانيات المدرسة وحاجات البيئة المحلية، مع إدماج الدراسة بالنشاط أو الأنشطة المصاحبة.
2- أن يركز المنهج المدرسي على الحياة اليومية للتلاميذ وذلك باستخدامهم المعلومات والمهارات التي يكتسبونها وتوظيف ما تعلموه.
3- أن تكون (البيئة المحلية) ميدانًا للتطبيق ولربط الدراسات النظرية بواقع الحياة مع مراعاة مستوى إدراك التلاميذ ، على أن يتدرج المنهج من بيئتهم المحلية إلى البيئات الإقليمية، فالقومية عن طريق علاقات هذه البيئات بعضها ببعض، ثم بالبيئات الأخرى.
4- أن يشجع المدرسون على اتباع أساليب علاج تخلف المنهج وقصوره وتشجيعهم على التجديد والابتكار.
5- ألا يكون المنهج جامدًا بل يجب أن يمثل التوفيق بين محتوياته وبين أفضل أساليب التدريس وبين الطبيعة البشرية(1)
(ج) المعلمين:
إن المعلم مربي ذو مؤثرات إيجابية متنوعة وموجه لسلوك تلاميذه وقائدًا لهم وحاملاً للثقافة وناشرًا لها، ورائدًا اجتماعيًا لبيئة مدرسته ومجتمعها المحلي، والمعلم يستطيع من خلال ممارساته التربوية أن يعمل على معايشة طلابه لظروف مجتمعهم والوقوف على مشكلاته، ومحاولة الاسهام في حلها مما يدعم فيهم الشعور بالانتماء ولا يشعرون بأنهم بعيدين عن أوضاع المجتمع، بدعوى العكوف على الدراسة والتحصيل دون الإحساس بالرابطة الاجتماعية بينهم وبين مواطنيهم.
وللبيئة المدرسية المحلية حق على المعلم، يدرك احتياجاتها وظروفها ويقدم لها ما تحتاجه من الخدمات متعاونًا مع زملائه في المدرسة ومواطنيه في البيئة والمهتمين بشؤون الجماهير وذوي التخصصات والقادرين على الاسهام والمعاونة.
(د) مجالس الآباء والمعلمين:
وذلك باعتبار أن الهدف من مجالس الآباء والمعلمين يتركز فيما يلي:
1- العمل على دعم الصلة بين المدرسة والأسرة وكلتاهما تعيشان في مجتمع واحد.
2- الاسهام في تفهم شخصيات التلاميذ تفهمًا حقيقيًا ومشاركة المدرسة في حل ما قد يعانونه من مشكلات دراسية أو سلوكية أو نفسية.
3- معاونة المدرسة في تأدية مهمتها التعليمية والتربوية والفكرية والاجتماعية داخل المدرسة (للتلاميذ) وخارج المدرسة (البيئة المحلية ، المجتمع المحلي) فضلا عن وجود علاقات طيبة بينهما.
4- العمل على وضوح الرؤية لدى الآباء في البيئة عن رسالة المدرسة وأهمية التعليم.
5- معاونة المدرسة في استكمال مهامها التربوية كالمشاركة في الجهود الذاتية التي يقرها المحليين، وتقديم الدعم المادي والمعنوي (اذا احتاج الأمر) وبما يتناسب مع ظروف البيئة.
6- القيام مع المدرسة بأدوار إيجابية للنهوض بالبيئة وتلبية متطلباتها المتنوعة كلما أمكن، وذلك عن طريق الاستفادة من تخصصات المسؤولين في البيئة ومن الهيئات والمؤسسات الموجودة في المجتمع(1).
ثانيًا: الوسائط غير المتخصصة في التربية:
تتعدد وسائط التربية غير المتخصصة وتتنوع في أساليبها ودرجة تأثيرها في تربية الفرد، وكلما كان المجتمع على درجة من التقدم، فإن هذه الوسائط تكبر وتنتشر(1).
أبرز الوسائط غير المتخصصة:
1/ المؤسسات الإعلامية والتثقيفية:
تتمثل هذه المؤسسات في وسائل التثقيف العام، كوسائل الاعلام من صحف ومجلات وإذاعة مسموعة (الراديو) وإذاعة مرئية (التلفزيون) مكتبات عامة، وقصور الثقافة، كما تشمل المتاحف والمعارض ... إلى غير ذلك، مما يزيد من ثقافة الفرد ومعلوماته، وعن طريقها يوجد رأي مشترك بين جماهير المواطنين عامة، وليس بين طبقة دون أخرى فهي منتشرة(1).
فالصحف والمجلات المختلفة: لها تأثير كبير على الأفراد والإنسان بطبيعته ميال إلى التعرف على الجديد من أمور الدنيا بالإضافة إلى أن الصحف اليومية بنشرها ما يتعرض له المجتمع من مشكلات فهي تجذب الناس إلى إبداء الرأي وتبادل وجهات النظر بالحديث أو الكتابة، والبحث عن الحلو المناسبة لها، فهي تبين طريق الخير وطريق الشر وقد يدفع المجتمع إلى الانتصار للعقلية والقيم والمثل الإنسانية العالية، والبعد عن الرذيلة ووسائل الانحراف، وكذلك تثقفه وتطلعه على كل ما هو جديد ومفيد(1).
والأذاعة المسموعة والمرئية: تستخدم في المجال التعليمي، حيث تقدم برامج متنوعة ذات مستويات تعليمية مختلفة، يفيد منها أفراد المجتمع وهي تبث الكثير من العلم، الفن، الأدب، الفكاهة، الخ.. التي يتأثر بها أفراد المجتمع(1).
والمكتبات العامة: تقوم بدور كبير في تثقيف الأفراد على القراءة والاطلاع وكذلك إتاحة الفرص للبحوث العلمية أن تنتشر بما لها من طبيعة تجميع المعارف والآثار الفكرية للمؤلفين، وهي توفر على الباحثين والدارسين المراجع العديدة والمصادر المتنوعة(1).
قصور الثقافة وبيوتها: بما تقدمه من برامج وندوات وعروض وأنشطة متنوعة، وبما تقدمه للجماهير من خدمات تثقيفية وتعليمية وترويحية وتسهم بدور ملحوظ في عملية التربية.
المتاحف والمعارض: بما تحتويه من نماذج ومجسمات وأشكال وأعمال فإنها مجال للاتصال المباشر بإنتاج العقول، الخبرات المختلفة، للجماعات والأفراد، وهي بما تعرضه على الناس من ألوان الفكر والفن، تؤثر فيهم تأثيرًا مختلفًا باختلاف موضوعاتها(1).
التنظيمات الشعبية والجماهيرية:
ونعني بها: التنظيمات التي يندرج تحتها جماهير الشعب أو تضم مجموعات كبيرة منه، وهي تختلف وتتنوع حسب طبيعة المجتمع وظروفها ومن هذه التنظيما ما يتسم بالصيغة السياسية، كالمجالس النيابية، الأحزاب، الهيئات ذات التأثير السياسي، وكذلك منظمات الشباب، ذات الهدف السياسي، كما يحدث في الدول الشيوعية، وإن لهذه التنظيمات التأثير الكبير على فهم الأوضاع السياسية في المجتمع وتكوين وجهات النظر لدى الجماهير، ومعرفتهم لحقوقهم وواجباتهم وكيفية مسار الحياة في مجتمعهم.
المؤسسات الدينية وأماكن العبادة:
ونعنى بها الجماعات والطوائف والجهات الدينية، وأماكن العبادة، أو إقامة شعائر الدين كالمساجد، وما تقوم به من أنشطة وتعمل على تحقيق من شعارات، وكذلك التجمعات ذات الصبغة الدينية بصفة عامة، وهي لها دور في الإسهام في حياة الأفراد والجماعات، فهي إلى جانب تأكيدها للقيم الخلقية والروحية عند الناس فإنها تشكل الكثير من نواحي حياتهم الاجتماعية وأوجه سلوكياتهم إلى درجة كبيرة لا سيما بعض المجتمعات، فالخطب والأحاديث التي تلقى في المساجد لا تخلو من تأثير في نفوس من يرتاد هذه الأماكن بما تتضمنه من قيم ومثل ومباديء وتعاليم ولها أثرها في سلوك المستمعين وكذلك لها الأثر في نفوس من يتعاملون معهم وهذا يمثل نوعًا من التربية يتضح في حياة الناس(1).
(3) التنظيمات والأنشطة ذات الصبغة الاجتماعية:
ونعني بها التنظيمات التي أوجدها المجتمع من خلال أنشطة يمارسها الأفراد تهدف إلى تكامل شخصياتهم إلى جانب ما يتأثر به الفرد من مكونات البيئة، ومن هذه المؤسسات الأندية العامة، ومراكز رعاية الشباب، والساحات الشعبية، وما إلى ذلك، وكلها تحفل بالنشاط المتنوع.
1- الأندية العامة: حيث يجد روادها مجالاً لممارسة ألوان من النشاط الرياضي والاجتماعي والثقافي مما يشغل أوقات فراغهم ويكسبهم خبرات في جو من الألفة والانطلاق.
2- مراكز رعاية الشباب: وتهدف إلىدراسة مشاكل الشباب دراسة موضوعية مع إيجاد الحلول ومحاولة الإفادة من جهودهم فيما يعود بالنفع على بيئاتهم، ومجتمعاتهم، إلى جانب توجيههم فكريًا واجتماعيًا وتربويًا.
3- الساحات الشعبية: وهي مجالات لأنشطة متنوعة، تتناسب مع مستويات وميول أبناء الشعب على اختلاف فئاتهم، ففيها تمارس الأنشطة الثقافية المبسطة كالقصص الشعبية والأهازيج الشعبية..الخ.
4- جماعة الرفاق: ودورها في توفير المجال الاجتماعي الذي يتعلم منه الأفراد الأنماط السلوكية وكثير ما تؤثر على شخصياتهم، وتتيح لهم معرفة بعض القيم والمثل، مثل: الأخوة، التعاون، الايثار، الوفاء...الخ.
(4) التنظيمات ذات الصفة المهنية:
ونعني بها ما تنظمه الجماعات في المجتمع من مؤسسات نقابية مهنية أو حرفية، وما تقوم به من أنشطة، وتهدف إلى الارتقاء بمستوى أداء المنتمين إليها والدفاع عن حقوقهم، وإقرار واجباتهم وتوجيههم لصالح مهنتهم ومجتمعتهم، من خلال ما تضعه من لوائح وما ترسمه من سياسة وما تصدره من قرارات أو توصيات، ومن ذلك ما يطلق عليها نقابة، أتحاد، رابطة، وهذه كلها من عوامل التأثير التربوي على الأفراد الذين يتصلون بها ويحتكون بنشاطها بطريق أو بآخر.
(5) المؤسسات الترويحية والترفيهية:
ونعني بها المنظمات أو الأماكن التي يلمس بها الإنسان ما يروح عنه عناء العمل المتواصل أو ما يدخل على نفسه البهجة والانشراح أو ما يجد فيها تجديدًا لنشاطه أو تغييرًا لرتابة الأداء اليومي في عمله، وتتمثل في دور العرض السينمائي، المسارح، الملاهي، المنتزهات، وبالرغم من أن هذه الأماكن بما تشتمله من برامج وما تقدمه من عروض لها أهمية ترويحية نفسية، إلا أن لها جانبًا تربويًا تسهم في تكوين الأفراد إلى حد كبير فكريًا ووجدانيًا واجتماعيًا.
دور العرض السينمائي والعروض المسرحية:
بالنسبة للكبار لها تأثير في تكوين بعض الاتجاهات السلوكية واكتساب بعض العادات والفاضئل الخلقية بالنسبة للصغار وتكسبهم بعض العادات أو التقاليد وتجيب على بعض تساؤلاتهم وتعمل على امتزاج خيالهم بالواقع.
الملاهي والمتنزهات:
وهي مجال لاكتساب الخبرات والوقوف على نوعيات من السلوك الإنساني من خلال التجمعات أو احتكاكهم بعضهم ببعض.
(6) وسائط الطبيعة ومشاهدها:
ونعني به ما تعيش فيه الطبيعة من حولنا، في السماء، وما يدور فيها من شمس وقمر ونجوم وكواكب...الخ، كذلك ما يحيط بنا من هواء وطقس وحرارة، وما يحيط بنا في الأرض من جبال وأنهار وبحار..الخ. إلى جانب هذا كله هناك الناس ومجموعات البشر وكل مكان بطبائعهم وألوانهم وأجناسهم وسلوكيات حياتهم.
إنها الحياة ذاتها التي نستقي منها المعلومات ونتشرب منها الثقافة، وهي تمدنا بالفكر وتدفعنا للانتاج وإلى الابتكار وإلى الاستقرار، وأسلوبها لا يخضع للنظام بل هو من صنع الله عز وجل الذي أتقن كل شيء خلقه(1).
التكامل بين وسائط التربية:
يجب أن تتكامل الوسائط التربوية المتخصصة وغير المتخصصة لحماية البشر، فتربية الفرد عملية متكاملة ولكنها منتشرة الأطراف وبالتالي فإن هذه الأطراف لا بد وأن تقترب وتتلاحم لتكون نسيج واحد ولكي تنتج هذا النسيج لا بد لها من عمليات متداخلة ويتم من خلالها الاتساق والتوافق، وبعبارة أخرى يجب أن يكون في داخل المجتمع الواحد أن تتضافر الجهود وتتوافق الاتجاهات وتنسق الخدمات، حفاظًا على أفراد المجتمع وشخصياتهم حتى لا يغدو الفرد حائرًا وسط مجموعة من القوى يتصارعه التي تحيط به من هنا وهناك، ومن ثم يتعرض للضياع ويخسر المجتمع أهم مقوماته(1).
ثانيًا: أهمية التربية للفرد والمجتمع(1):
أهمية التربية بالنسبة للفرد أهمية التربية بالنسبة للمجتمع
العلم لا ينتقل من جيل إلى جيل بالوراثة. التربية وسيلة لبقاء المجتمع
الطفل مخلوق كثير الاتكال وقابل للتكيف الاحتفاظ بالتراث الثقافي
البيئة البشرية كثيرة التعقيد والتبديل تعزيز التراث الثقافي
التوجيه والسيطرة الاجتماعية من أجل تنمية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية.
تحقيق النمو الشامل
اكتساب الخبرة
اكتساب الثقة
التربية وسيلة اتصال وتنمية الفرد
اكتساب القيم الخلقية والجمالية وتذوقها(2)
أهمية التربية للفرد والمجتمع:
أولا: أهمية التربية للفرد:
1/ العلم لا ينتقل من جيل إلى جيل بالوراثة:
إن العلوم التي يكتسبها الآباء لا تنتقل إلى الأبناء بالوراثة البيولوجية كما هو الشأن في الصفات الفطرية غير المكتسبة، فابن الجاهل وابن العالم يولدان متساويين من حيث خلو الذهن من المعرفة، وإنما العلم (ميراث اجتماعي) جاهد الجنس البشري في اكتسابه وحافظ عليه آلاف السنين، ولا يمكن انتقاله من جيل إلى جيل إلا بالمشقة والتعب، وإذا أراد الجيل السابق أن ينقل إلى الجيل اللاحق ما تجمع لديه من معارف ومهارات وتقاليد ومثل عليا فما عليه إلا أن يشمر عن ساعد الجد ويشرع في عملية التربية من جديد، وما دام الطفل يولد خاليًا الذهن من العلوم التي حصلها أسلافه عبر الأجيال فإنه محتاج إلى التربية احتياجًا شديدا.. ولقد قال أحد المربين: إن التربية عملية ينتقل بها الإنسان من الهمجية إلى المدنية، وقال آخر: إن السبب الذي من أجله نحتاج إلى التربية هو أن الأطفال لا يولدون بشرًا بل يصيرون بشرًا بفضل التربية"(1).
2/ الطفل مخلوق كثير الاتكال وقابل للتكيف:
إن الطفل مخلوق ضعيف كثير الاتكال بالنسبة إلى صغار الحيوانات مع أنه أرقاها مرتبة وأشدها ذكاء وهو طويل الطفولة، ويستمر في ضعفه واتكاله مدة مديدة، فلا يناهز البلوغ بوجه التقريب قبل الثالثة عشرة من عمره، ولا يبلغ أشده قبل الثامنة عشرة، ولعل السبب في ذلك أنه يولد قبل أن يتم نضجه وتكتمل مقدرته على مجابهة الحياة، فضلا عن أنه بعد الولادة يظل زمانًا طويلاً متخلف النضج بطيء النمو، وهذا يقودنا إلى الكلام عن خاصة أخرى للطفولة، تضاف إلى الاتكالية وهي قابلية التكيف أو المرونة ، ولما كان الطفل كثير الاتكال قابلاً للتكيف فإنه يحتاج إلى الشيء الكثير من الرعاية والتوجيه حتى يصير قادرًا على نفع نفسه وذويه وخدمه جماعته وبلاده، ومما لا شك فيه أن المدرسة هي من أقدر المؤسسات على القيام بهذا العمل الخطير فهي حلقة الاتصال بين الأجيال الناشئة وبين حضارة الأجيال السابقة، بل هي أم الحضارة والقيمة عليها(1).
3/ البيئة البشرية كثيرة التعقيد:
إن بيئة الإنسان كثيرة التعقيد وذلك بأنه كلما تقدم الإنسان في طريق الحضارة اتسمت بيئته وتعددت متطلباتها وكثرة مشكلاتها، واشتدت أزماتها، فازدادت حاجته إلى التربية، وأصبح مضطرًا إلى أن يبذل جهودًا جبارة في سبيل تكييف نفسه وفقًا لهذه البيئة، ومن هنا يتضح لنا السبب الذي من أجله تعمل الأمم الناهضة على تمديد مدة التعلم ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً(1).
وهذا بشأن تعقد البيئة، أما بشأن تبدلها فهو كذلك مما يزيد الفرد حاجة إلى التربية، إن العالم في تطور مستمر، فعالم الأمس هو غير عالم اليوم، وعالم اليوم هو غير عالم الغد، وإن كذلك العلم الحديث قد زاد هذا التطور سرعة، إزاء هذا التغير السريع المستمر ترى المدرسة من واجبها أن تعد الجيل الناشيء لعالم اليوم وعالم الغد معًا، فتعودهم المرونة في أفكارهم وأعمالهم واتجاهاتهم ليكونوا قادرين على تكييف أنفسهم بمقتضى التغير الذي يجري حولهم، في مختلف نواحي الحياة، وقال الإمام علي بهذا المعنى: "لا تعودوا بنيكم على أخلاقكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"(1).
4/ التوجيه والسيطرة الاجتماعية:
إن الكبار يتمسكون بقيمهم وأنماطهم السلوكية فيذهبون إلى إكسابها للصغار، وهم يبالغون في ذلك حين يتجاهلون ظروف الصغار وإمكانياتهم وتطلعاتهم، ولذلك تقوم (حركات الاصلاح الاجتماعي والثورات الاجتماعية) التي تلجًأ إليها التربية لتحقيق أهدافها الاجتماعية عن طريق إكسابها للأفراد والمجتمع، من خلال تعديل وتغيير في الأفكار الجديدة وما يترتب عليها من تبديل وتغيير في أنماط السلوك(1).
5/ تحقيق النمو الشامل:
التربية تهي الوسائل المختلفة لتحقيق إمكانيات النمو للطفل عقليًا واجتماعيًا وجسمانيًا، والبيئة هي الوسط التربوي لذلك، فالطفل يعتمد على الكبار في اكتسابه للخبرة اللازمة لتفاعله وتكيفه مع الآخرين، وتكسب هذه الخبرة بتكوين العادات الإيجابية والتي يسيطر بها الطفل على بيئته ويستخدمها في تحقيق أهدافه، وتتمثل في الطاقة الإيجابية التي تعينه على التكيف ومواجهة الظروف المتغيرة والجديدة وهكذا نخلص إلى أن عملية النمو تستلزم وجود شرطين هما: الاعتماد على الآخرين، والمرونة(1).
6/ اكتساب الخبرة:
التربية عملية اكتساب خبرة اجتماعية، والبيئة الاجتماعية هي الوسيط في ذلك، فالطفل حين يتفاعل مع الأفراد والجماعات تفاعلاً يشبع حاجاته الاجتماعية والعقلية والجسمية، يكون حريصًا على اكتساب رضاهم وعلى اكتساب المزيد من الخبرات بهدف سرعة التكيف والاندماج في الحياة، وهو لهذا ينضم في الجماعات لكي يشعر بالانتماء إلى الجماعة، فيشعر بالانتماء إلى الجماعة ويشعره بكيانه واستقراره النفسي(1).
7/ التربية وسيلة اتصال وتنمية للأفراد:
إن بقاء المجتمع لا يعتمد فقط على نقل نمط الحياة عن طريق اتصال الكبار بالصغار أيا كان نوع هذا الاتصال، ولكن بقاء المجتمع يتسم بالاتصال الذي يؤكد المشاركة في المفاهيم، والتشابه في المشاعر للحصول علىالاستجابات المتوافقة من أفراد المجتمع في المواقف المعينة، فإن الاتصال يكون مربيًا وذا أثر داخلي حين يكون قائمًا على الخبرة ووحدة الأهداف والميول المشتركة وذلك هو الاتصال المرغوب المفضل بين الأباء وألآبناء، وبين المدرسين والتلاميذ، وبين الرئيس والمرءوس، ولكي نضمن علاقة إيجابية ذات أثر تربوي بين أعضاء المجتمع، فإن الحياة الاجتماعية لا تتطلب لدوامها التدريس والتعليم فقط، ولكنها تتطلب التربية لأنها تزيد الخبرة، وتخلق الاحساس بالمسؤولية، وتوحد الاهتمامات، فتتلاقى الاتجاهات، وفي هذا يقول جون ديوي: إن أي تنظيم اجتماعي لكي يبقى اجتماعيًا يجب أن يكون مربيًا للمشتركين فيه، فالتنظيم الاجتماعي يفقد قوته التربوية إذا بقي على نحو روتيني أو شكلي في علاقاته فقط، وهذا يقود إلى الانعزالية بين أفراده وعدم المساواة في تحصيل الخبرة، ويضيف قائلاً: إن عدم المساواة في التحصيل بين الكبير والصغير لا تتطلب تسليم الأخير فقط، ولكن تتطلب ضرورة تعديل مستوى الخبرة وتقليلها وتكيفها لكي يسهل توصيلها وتداولها"(1).
8/ تكوين الاتجاهات السلوكية:
تتحقق من خلال التربية عمل البيئة الاجتماعية في الطريقة الوحيدة التي يسيطر بها الكبار على تربية الصغار إنما تحدث بالسيطرة على البيئة التي يعملون فيها ويفكرون ويشعرون ، فالبيئة التي تتكون من العوامل والظروف التي تنمي النشاط المميز، وتثيره للكائن الحي أو تدخره وتضعفه أن الوسط أو البيئة إنما تعني (النشاط البيئي) كشرط للحياة بصرف النظر عن النجاح والفشل.
إن الأثر التربوي للبيئة الاجتماعية ينعكس في تكوين شخصية الفرد واتجاهاته العقلية والعاطفية، وفي تحديد أنماطه السلوكية، وإن البيئة تتطلب من الأفراد الاستجابات معينة في مواقف معينة، فالوسط الخاص الذي يعيش فيه الفرد يقوده لرؤية أشياء أكثر من غيرها، ويتخذ أسلوب معين في العمل بنجاح مع الآخرين، وهكذا يكتسب الفرد من هذا الوسط اتجاهًا سلوكيًا معينًا يظهر في نشاطه وتفاعله مع أهل بيته.
وتتكون الاتجاهات السلوكية في البيئة بواسطة تشكيل العادات النافعة للطفل وتثبيتها وتعديل دوافعه الأصلية، على أساس مبدأ اللذة والألم، ودور البيئة كذلك في تزويد الفرد بالمواقف والمثيرات التي يستجيب لها وفق نمط الاستجابة للبيئة وهكذا تكون التربية عملية تعلم لأنماط سلوكية موجودة في البيئة لوجود مثيراتها، كما أن الأنماط السلوكية تختلف من بيئة إلى أخرى تبعًأ لاختلاف المثيرات واختلاف الاستجابات المترتبة عليها(1).
9/ اكتساب اللغة:
ويتضح أثر البيئة في تعليم اللغة وتحصيل المعرفة ، فالطفل يتعلم اللغة وأساليب الكلام من مخالطيه في مراحل نموه الأولى، وتكون اللغة والمعرفة عندئذ في أبسط صورهما، والأم حين تقدم لأبنها لعبة أو كساء أو غذاء فإنها تنطق صوتًا معينًا يصاحب تقديم هذا الشيء، وبما أن الابن سيكون طرفًا في هذا الاتصال لأن الأمر يعنيه فإنه يتعرف على الشيء وإسمه، وهنا تكون اللغة كصوت وأداة تعبيرية عن الأشياء ومعانيها قد اتضحت للطفل، وبتكرار هذه المواقف التي تتصل بحاجات الطفل واهتماماته فإن التعرف على الأشياء ومعانيها يكون أول مستويات الخبرة المحسوسة، وهكذا تنمو المعرفة والخبرة عند الصغير بسيطرته على اللغة وأساليب الكلام، كأدوات اتصال لها معانيها وقيمتها عند الأطراف المشتركة في مناشط الحياة ومواقفها(1).
10/ اكتساب القيم الخلقية والجمالية وتذوقها:
إن النشأة الطيبة والأخلاق الطيبة تتأتى من الأفعال الملموسة في نشاط الحياة أكثر مما تتأتى من أساليب الوعظ والإرشاد، فالأخلاق تتكون من خلال الممارسة والانخراط في مواقف الحياة حيث يكون التعامل مع الأفراد والجماعات، وحيث يكون اكتساب القيم والاتجاهات والعادات ذات الأثر الايجابي البناء كالتعاون والتساند الاجتماعي، وفق ما تحدده البيئة من معايير الخلق الطيب والسلوك الحميد الذي فيه خير ضمان لسلامة كيان الفرد والمجتمع، وأدب الحديث في المناسبات والمواقف المختلفة، وكذلك من خلال ما تراه العين من معالم الجمال وإدراك علاقاته المتمثلة في حسن التنظيم للأشكال والعناصر، فمجال الطبية والنظم المعمارية في البناء وإناقة الحدائق ونظافة الشوارع وحسن تأثيث البيت وأدوات تزيينه كل ذلك يترك أثره العميق في إكساب الصغار اتجاه حب الجمال وتقديره وانعكاس ذلك على ممارساتهم اليومية(1).
ثانيًا: أهمية التربية بالنسبة للمجتمع:
1/ التربية وسيلة لبقاء المجتمع:
إن الكائن البشري يصارع من أجل بقائه، ويكون صراعه هذا لجعل الطاقات المحيطة به مسخرة في صالحه، وهو يتفاعل مع البيئة وبهذا يستمر وجوده من خلال استمرار نشاطه فيها، بما يضمن سيطرته على الظروف البيئية المحيطة به، وإذا انتقلنا من حديثنا عن الحياة في شكلها الطبيعي إلى الحياة في شكلها الاجتماعي المشتمل على الخبرة البشرية، بما فيها من عادات ونظم ومعتقدات فإننا نجد تطبيقًا لمبدأ (الاستمرار من خلال التجديد)، إن عملية نقل الخبرة من جيل الكبار إلى جيل الصغار لا تنتهي أبدًا في المجتمع، وذلك أن اختلاف الأعمار بين الأجيال في المجتمع يبقى دائمًا عليها، فموت البعض وميلاد البعض الآخر يجعل من نقل الأفكار والأفعال استمرار إعادة صنع الحياة الاجتماعية، والتربية هي وحدها التي تصنع ذلك، وعندئذ تكون التربية دافع شخصي أكثر منها حاجة اجتماعية ملحة، ولكن في حقيقة الأمر تكون ضرورة اجتماعية، فكما أن التغذية والنمو لازمان للحياة العضوية، فإن التربية لازمة للحياة الاجتماعية(1).
2/ الاحتفاظ بالتراث الثقافي:
إذا أراد المجتمع المتحضر أن يكتب له البقاء والاستمرار، فلا بد له من الاحتفاظ بتراثه الثقافي وصيانته من الضياع والاندثار، وهو يرى أن أفضل سبيل إلى حفظه وصيانته نقله إلى الناشئين عن طريق التربية، والجيل القديم هو القيم على هذا التراث فيتمسك به ويرغب في نقله إلى الجيل الجديد، والجيل الجديد مستعد لأن يتلقى هذا التراث الثقافي، وهكذا تنتقل الثروة من جيل إلى جيل عن طريق التربية، ولولا هذا الانتقال لعاد المجتمع إلى همجيته وبداوته(1).
3/ تعزيز التراث الثقافي:
يحتاج المجتمع إلى التربية لأنها تساعده على تعزيز تراثه الثقافي فإذا وقف عند حد المحافظة على هذا التراث ولم يسعى إلى تجديده مجارة لروح العصر، كان مجتمعًا رجعيًا، وكان مثله مثل بركة ماء التي لم تجدد مياهها من حين إلى آخر حتى أصبحت فاسدة موبوءة، وأما التراث الثقافي، وإن يكن زاخرًا بما حصله الجنس البشري من علم غزير وخبرة واسعة فهو لا يخلو من العيوب، والمجتمع الذي يريد أن يسير في طريق الرقي متجنبًا ما من شأنه أن يعمل على ركوده وجموده، يتحتم عليه أن ينقي تراثه الثقافي من العيوب التي علقت به(1).
وإن عجز الجيل القديم عن ذلك أعد الجيل الجديد ليقوم بهذه المهمة، ومن هنا جاءت أهمية التربية في العمل على تعزيز تراث المجتمع الثقافي، علاوة على نقله والمدرسة التي تقف في أداء وظائفها عند حد النقل غير مجاوزة إياه إلى إصلاح شأن المجتمع تكون مقصرة أشد التقصير ومتخلفة عن المدارس الحديثة التي ما فتئت تسعى لخلق عالم جديد أفضل من العالم القديم، وصفوة القول أن التربية ضرورية للمجتمع، والمدرسة هي القيمة على تراثه الثقافي، تصونه فتربط الحاضر بالماضي، وتجدده فتربط الحاضر بالمستقبل، وهي من الجهة الواحدة تساعد المتعلم على تكييف نفسه وفقًا لعالم الأمس والاستفادة من ثروته، ومن الجهة الأخرى تساعده على تكييف نفسه وفقًا لعالم الغد والاستعداد لحياته الفضلى(1).
4/ من أجل تنمية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية:
فالتربية والتعليم هما اللذان يقومان بإعداد الإطارات (الكوادر) لمختلف أوجه التنمية الشاملة اقتصاديًا واجتماعيًا ولكل مجتمع يريد التقدم والتطور ومن هنا تظهر أهمية التربية بالنسبة للمجتمع(1).
ثانيًا: العوامل التي أدت إلى ازدياد أهمية التربية في عصرنا الحاضر:
مدخــل:
تحتل التربية في عصرنا الحديث أهمية بالغة يعترف بها رجال السياسة والاقتصاد ورجال الاجتماع ورجال الدين والفكر، ولعله من المفيد أن نحلل بعض العوامل التي ساعدت على تطور التربية في عصرنا الحديث وهي على النحو التالي:
أولا: التربية أداة للتحرر القومي:
وعند ظهور حركة الاستعمار الأوروبي وسقوط كثير من دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية في يد الاستعمار الأوروبي، استخدم هذه الاستعمار التربية من أجل فرض لغته وثقافته والولاء له، ولذلك عندما عمت تلك الأقطار حركات تدعو إلى التحرر من الاستعمار وتحاول الوصول إلى كيان سياسي مستقل، أدركت تلك الحركات التحررية أهمية التربية في خلق أجيال جديدة يكون ولاؤها للوطن ولغته وثقافته، ولقد اشتدت حركة التحرر القومي منذ القرن العشرين وأدت إلى تحرر بعض الدول المستعمرة كانجلترا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا وفرنسا والبرتغال وما تزال هذه الحركة مستمرة لدى بعض الشعوب التي ما تزال مستعمرة، وكانت محصلة ذلك أن ازدادت أهمية التربية كأداة للتحرر السياسي والاقتصادي والثقافي، ويبقى الولاء للوطن وثقافته على مستوى العالم كله(1).
ثانيًا: التطور الاقتصادي في عصرنا الحديث:
رغم أن انتعاش التلعيم وازدهاره قد ارتبط على مر العصور بالازدهار الاقتصادي ، كذلك كان تدهور الاقتصاد يؤثر على الحالة التعليمية تأثيرًا سلبيًا، وذلك أن الاقتصاد سابقًا كان بسيط يمكن أن يتم بدون تعليم، كما كان طوال العصور القديمة والوسطى فالزراعة والرعي والصناعة في تلك العصور كانت سهلة وكان يمكن تعلمها خارج المؤسسات التعليمية، ولعل هذا السبب أن الاقتصاد ظل آلاف السنين على ما هو عليه دون قفزات ثورية.
أما في عصرنا الحاضر والحديث، فقد حدثت ثورة اقتصادية كبرى عندما أصبح الاقتصاد قائمًا على العلم ولقد أحدثت تطبيقات العلم والتكنولوجيا تطورات هائلة، في مجالات الزراعة، والصناعة، والتجارة، وفرض هذا التطور ضرورة إعداد الفرد في هذا العصر العلمي التكنولوجي إعدادًا يختلف إلى حد كبير عن إعداده السابق، وهذا قد زاد من أهمية التربية كتحقيق لهذا النمو(1).
وأثبتت التجارب المعاصرة ولأول مرة في تاريخ الإنسانية أن التطور التربوي قد يسبق التطور الاقتصادي فقد ظهر هذا الاتجاه بقوة ونجاح في بلاد كثيرة من أهمها اليابان والاتحاد السوفيتي – سابقًا – والولايات المتحدة الأمريكية، وقد اختارت بلاد كثيرة وخاصة البلاد النامية هذا الاتجاه في السنوات ألأخيرة على الرغم مما يرتبط به من صعوبات وتضحيات(1).
ثالثًا: شيوع العدل الاجتماعي والمساواة في الفرص التعليمية:
لقد ظهرت الأفكار التي تنادي بالعدالة الاجتماعية نتيجة لما أحدثته المظالم التي عانت منها الطبقات المحرومة داخل أوطانها، وهذه الأفكار تنادي إلى الفكر التربوي الحديث الذي يقوم على اعتبار التعليم حقًا من حقوق جميع الأفراد بصرف النظر عن الطبقة التي ينتمون إليها، ومن هنا جاءت قضية التعليم الاجباري، وإطالة مدته، كلما سمحت الظروف، وجاءت قضية تكافؤ الفرص التعليمية التي تكون فيها استعدادات التلاميذ واهتماماتهم هي المحددة لنوع التعليم ودرجة مواصلتهم له بعد أن كان الأمر فيما مضى حكرًا على طبقة معينة أو فئة معينة من ذوي اليسر الاقتصادي، وبشيوع تلك الروح فتحت مؤسسات التعليم أبوابها لأبناء الشعب على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية على أساس المساواة في الفرص، وبذلك فإن انتشار مباديء العدل الاجتماعي كانت من أهم أسباب ازدياد أهمية التربية في عصرنا الحديث، سواء من حيث ازدياد الطلب على التربية، أو ظهور مؤسسات مختلفة جديدة أو نظم تربوية متعددة لتلبية الحاجات التربوية المختلفة لتلك الملايين المتزايدة عامًا بعد عام(1).
رابعًا: الإيمان المتزايد بضرورة التخطيط الاجتماعي والاقتصادي:
التخطيط بمفهومه العام هو رسم وتحديد المفردات التي ينبغي اتباعها في توجيه النشاط البشري اجتماعيًا واقتصاديًا لتحقيق نتائج معينة في فترة زمنية محددة، وكلما ازداد إيمان الدول بالتخطيط الاجتماعي والاقتصادي كلما ازدادت أهمية التربية كأداة لتربية الأجيال الجديدة القادرة على تحقيق أهداف التنمية الشاملة لبلادها، ولعل من أهام هذه الخصائص تلك الأجيال القادرة على النهوض بأوطانها الاستعداد للخبرات الجديدة، وتقبل التجديدات والعقل المفتوح والتوجه الديمقراطي والمحافظة على الوقت والمواعيد والتوجيه نحو التخطيط والالتزام والاعتقاد في التقدم والايمان بالعلم والتكنولوجيا.. الخ. وهذه كلها سمات شخصية تعتبر من صميم عمل المؤسسات التربوية(1).
خامسًا: التربية والسلام العالمي:
شاهد الإنسان في القرن العشرين الحرب العالمية الأولى والثانية كانتا نتيجة تنافس الدول الكبرى للحصول على المستعمرات وتأثر العالم كله بهذه الحرب، وذلك نتيجة لقيام التجارة العالمية فيما مضى تؤثر غالبًا على الأطراف المتحاربة، ولكن الآن تشمل معها العالم كله، ولقد ولد (الرعب النووي) شعورًا قوميًا لدى الكثير من رجال التربية بضرورة استخدام التربية كأداة عالمية لتنمية روح الإخاء والتفاهم بين الشعوب على أساس الحرية والتعاون والمساواة، وعلى أساس روح الإنشاء والبناء لا الهدم والتدمير، ومن هنا كانت منظمة اليونسكو العالمية للتربية والثقافة والعلوم، وكانت جهودها العديدة في هذا المجال، مما أعطى التربية خاصة في عصرنا الحديث كأداة من أدوات التواصل للسلام(1).
وننادى إلى الدعوة إلى تخفيض الأسلحة والاقلال من نفقات التسليح وتزداد يوما بعد يوم ونجد لها أنصار ومؤيدين على اتساع الدنيا كلها، من جانب الدول والشعوب، وفي نفس الوقت تزداد الدعوة إلى الاهتمام بالتعليم وتخصيص مزيدًا من الأموال والامكالنات من أجل التوسع والارتقاء بمستواه في كل مجتمع من المجتمعات، وتتبع هذه الدعوة أو تلك من اعتقاد أساسي وهو أنه إذا كان السباق في ميدان التسليح يزيد التوتر بين الدول والشعوب ويهدد مصيرها بالدمار والتخريب، فإن السباق في ميدان التربية يزيد من فرص التفاهم بينها ويجعلها أكثر قدرة على صنع مستقبل جديد يكون أساسه الأيمان بالانسان وبكرامته وبحقه متجددة حفية(1).
وذلك أن أعداد السكان في العالم في تزايد والأعداد الكبيرة من التلاميذ التي بدأت تحصل فجأة على فرص التعليم تستمر في طلب المزيد منه، حتى تصل إلى أعلى درجات السلم التعليمي، فإن الزيادة في معدلات القبول والقيد في المدارس والمعاهد والكليات على مستوى العالم يعتبر أمرًا متوقعًا في المستقبل، وقد ترتب على ذلك تضاعف النفقات على التربية والتعليم على أنحاء العالم، وبالتأكيد فإ، تلك النفقات سوف ترتفع أكثر فأكثر لشدة الاقبال على التعليم ولازدياد تكلفة التعليم بسبب ارتفاع الأسعار من ناحية وما يتطلبه التعليم الحديث من تكلفة أكبر من حيث المباني والأجهزة وإعداد المعلم الجيد والمناهج المتطورة والواقع أن نفقات التعليم تتجاوز بكثير النفقات العسكرية على الصعيد العالمي ورغم ما يقال كثيرًا عن حجم تلك المصروفات العسكرية(1).
المحور الرابع
كيف يتأتى للتربية أن تقوم بدور حقيقي في تغيير وإصلاح الفرد والمجتمع ..؟
أي ما الشروط التي ينبغي أن تتوافر في التربية لكي تستطيع أن تسهم في بناء ورقي الفرد والمجتمع؟
مدخل:
التربية تساهم مساهمة كبرى في تغيير المجتمعات وتمتين عرى التآخي بين أفراد المجتمع، ليس كذلك فقط بل أيضًا تستطيع تغيير مجرى التاريخ، فهي أداة قوية التأثير في المجتمعات، فهي تمثل فكر المجتمع وثقافته إلى غير ذلك..
وهي تستطيع أن تغير وتسهم في بناء ورقي الفرد والمجتمع، وإنني عندما بدأت التفكير والكتابة في هذا المحور وقفت في حيرة من أمري، هل أفصل الحديث عن التربية التي تسهم في بناء ورقي المجتمع عن تلك التربية التي تسهم في بناء ورقي الفرد.. أم أنني أدمج بينهما وأوضح تلك التربية التي تسهم في بناء ورقي الفرد والمجتمع معاً.. لأنني إذا تحدثت عن تلك التربية التي نحتاجها في عصرنا هذا أي الشروط التي تتوافر في هذه التربية في المجتمع، فكأنني تجاوزت الفرد وليس إهمالا بً، ولكن الفرد عضو في جماعة سعى لتحقيق أهدافها، والمجتمع عبارة عن مجموعة من الأفراد هدفها تحقيق الرفاهية والحياة الهانئة للأفراد، وكل هؤلاء يعيشون في ظل تربية معينة تقوم بتوجيههم ودفعهم إلى الاستمرار في الحياة والتناسق والانسجام في حياتهم اليومية مع المجتمع.
الشروط التي يجب أن تتوافر في التربية لكي تسهم في بناء ورقي الفرد والمجتمع:
إن تربيته في هذا المجال يجب أن تواجه ثلاث مسئوليات مترابطة:
1- أن تعالج التغير في الميدان الاجتماعي والصناعي والسياسي وفي ميدان التوجيه الروحي والفلسفي، وميدان التكوين الخلقي والنشاط الثقافي في آن واحد، وذلك أن تركيز الجهود في إصلاح ناحية واحدة من هذه النواحي مع إهمال النواحي الأخرى يعتبر هدمًا للتقدم برمته، فيجب أن تكون التربية شاملة في نظرتها عميقة في أصولها، بحيث تبدأ من مشكلتنا الحقيقية وهي مشكلة التفاوت بين الأجيال التي تعيش في وقت واحد في مجتمعنا الحاضر.. ولكن بتقاليد أو بعقليات وثقافات متفاوتة، وذلك بأن تتمكن هذه التربية من بناء ثقافة مشتركة حية.
2- أن تحول التربية نفسها إلى طاقات للتغير والتجديد والانطلاق لأن التربية السليمة هي التي تقدم على التغييرات الضرورية، إذا دعت الحاجة وما أحوج مجتمعنا إلى التغيير والمزيد منه في عصر تزداد فيه سرعة التغيير بدرجات لم يسبق لها مثيل، والسبب إلى هذا كله يرجع ألى تربية جديدة تستمد مقوماتها وأهدافها من استراتيجيتنا الجديدة التي أساسها الإيمان بالتغير والأخذ بأسباب التجديد من علم وديمقراطية ووحدة(1).
3- أن تنصب التربية على طاقات التغير والتجديد والانطلاق وهم الأفراد، حيث يتحدد عملها ومدى فعلها في الاندفاع المرغوب فيه على جميع المستويات، وذلك أن مصدر التغير لا يوجد في الأنظمة والقوانين بقدر ما يوجد في الأفراد، وانها تبدأ بالأفراد بفعل وعيهم المتزايد بمشكلات مجتمعهم وتطلعهم إلى مستقبل أفضل، وبقوة إدارتهم على التحرك والاندفاع للقضاء على هذه المشكلات والوصول من بعد ذلك إلى المستقبل بما يتضمنه من تصورات جديدة عن الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما تقوم عليه هذه الأنظمة من قيم خلقية – ولا بد أن ننوه إلى أن ثروة الأمم هي الأفراد حيث أن هذا المصدر من الثروة هو الذي يتوقف عليه تحويل المصادر الطبيعية إلى أشياء مفيدة يمكن استغلالها وتدبيرها وتوجيهها إلى حيز المجتمع، كما يتوقف عليه إبعاد الأمة عن أن تكون موضع أطماع الآخرين ولكن إيجاد الطاقة البشرية الواعية المنتجة وذلك بالعمل الذي ينقل الأشياء من طور إلى طور، وترجمة المفاهيم الجديدة إلى سلوك يترتب عليه إنتاج أجيال أسعد واقدر وأذكى من الأجيال السابقة، وفي هذا خير وضمان لعدم انتكاس الوعي الذي وجد بل خير ضمان لكي تبنى الأجيال القادمة فوق الأساس الذي تحول التربية إرساءه(1).
والتربية التي نسعى إليها والتي تسهم في بناء الفرد والمجتمع تحاول وتساهم في رقي وبناء المجتمع أكثر من جانب من جوانب المجتمع، وذلك في الجانب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي، والتربية هنا تعمل على تنمية كل جانب من جوانب المجتمع وتسعى إلى الوصول به إلى الرقي بالمجتمع، وذلك يكون في عدة نقاط:
(1) التربية من أجل التنمية الاقتصادية.
(2) التربية من أجل التنمية الثقافية والعلمية.
(3) التربية من أجل التنمية الاجتماعية.
(4) التربية من أجل الوحدة الوطنية والتنمية السياسية.
(5) التربية من أجل التنمية الشاملة.
وعند حديثنا عن القومية ودورها في تنمية المجتمع، سنتناول أول جانب وهو الجانب
التربية من أجل التنمية الاقتصادية:
مدخل:
إن التربية منذ نشأتها ملازمة للحياة البشرية وسابقًا كان التعليم والتربية قاصراً فقط على أبناء الميسورين والنبلاء وغيرهم، ومع تطور الحياة الإنسانية وتعقدها وانتقال المجتمع الإنساني من حالة البخار إلى الكهرباء، وزيادة الانتاج، ومن ثم سمح لأبناء الفقراء والبسطاء تعلم حرفة أو صناعة أو تدريب على وسيلة من وسائل الانتاج، على اعتبار أن أبناءها لا يلي بهم أن يقوموا بتلك الأعمال اليدوية، وهكذا ارتبط التعليم بالتطور الصناعي والزراعي والتجاري، أي ارتبط بالتنمية والتقدم الاقتصادي، وتنوع التعليم بتنوع وسائل الانتاج وظروفه ومن هنا لاحظنا الارتباط الوثيق بين التربية وا لتعليم والاقتصاد والتنمية الاقتصادية(1).
وإن الدول عند محاولتها التصدي لأنواع التحديات المختلفة التي تواجهها في مسيرتها نحو العصرية ونحو تحقيق الآمال العريضة لشعوبها، ونحو تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمجتمعاتها، إنما تتخذ من التربية وسيلة أساسية للتحقيق هذه الأهداف وذلك من إيمانها بأن التربية هي مفتاح الرفاهية والرخاء القومي، ولا يوجد استثمار آخر له عائد أكثر من استثمار الموارد البشرية والتي تعتبر التربية أهم مكوناتها(1).
التربية من أجل التنمية الاقتصادية:
تعتمد عملية التنمية الاقتصادية على عدة عناصر مشتركة ويمكن تصنيفها بإيجاز تحت العناوين التالية:
1/ نمو القوى العاملة:
تعتمد التنمية الاقتصادية على تنمية مهارات الأيدي العاملة وعلى سرعة تطبيق الأساليب والطرائق الجديدة في الصناعة والزراعة، فكل دولة ملزمة بالنمو الاقتصادي(1) لتحقيق الرفاهية للمجتمع والأباء بدورهم كذلك قد فرضوا على أبنائهم التربية حتى ينتهزوا الفرص التي لم تتح للآباء وأن الفرص الضخمة الحديثة للطلاب المقيدين في التعليم لها أسباب معقدة كثيرة اجتماعية واقتصادية، ولكن من الواضح أن الاعتراف المستمر بأن التربية ألآن – أكثر من أي وقت مضى – هي الباب المفتوح لزيادة الفرص الاقتصادية والعكس من ذلك ربما يكون الاعتراف بأنه بون التربية تصبح الأبواب مقفلة، وأن المصادر الانسانية المتعلمة المستثمرة في النشاط الاقتصادي تنتج الثروة المتزايدة، وأحسن استثمار – الانسان – كما تدل الدلائل هي استماره لنفسه(1).
ومن جهة أخرى أن النمو الاقتصادي يتطلب وجود المزيد من الماهرين وسيلاً متواصلاً من الآراء الجديدة المتمثلة في أساليب الانتاج الجديدة، فإن نظام التعليم يحتل مكانة جديدة ومهمة في حياة المجتمع، فلم يعد في وسع الشباب أن يلتقطوا المهارات عن آبائهم أو أمهاتهم أو غيرهم من الكبار في القرية، وتعتبر الطرق التقليدية القديمة في الانتاج غير نافعة ولا بد للادارة في المصنع أو بناء جيش أو تطوير طريقة من توفير تدريب أصيل وجيد ولا يكون مثل هذا التدريب مثمرًا إلا إذا كان المقبلون عليه حائزين على العلوم الأولية على الأقل، فيجب أن يكونوا قادرين على القراءة والكتابة والحساب، وعلى المؤسسات التعليمية التربوية التحول من ألأسلوب التقليدي القديم، إلى ألأسلوب الجديد وإنما هو التحول عن المعتاد إلى ما هو موجه نحو التغير، وهذا التغير الثقافي العميق يجب أن يكون مضمونًا وهو يمثل عملية مضنية ولكن ينبغي عملها وبسرعة(1)، ويجب أن نعد الخريجين لسوق العمل وذلك من خلال إعدادهم لما هاو محتاج له سوق العمل وكذلك فيما يجعل من سوق العمل مزدهرًا ومتنوعًا من جميع المجالات، وذلك من حيث ألا نجعل الخريجين يسرعون إلى الاشتغال بالوظائف الحكومية المكتبية التي في نظر المجتمع جذابة اقتصاديًأ ومحترمة اجتماعيًا، بل كذلك أن أحول أنظارهم إلى الحرف الأخرى التي تلاقي النجاح المحدود، وذلك لأن أخذ جانب واحد من جانبين الموضعي وهو تغيير طابع المقيدين في المدارس المهنية دون أن يغيروا المثيرات الاقتصادية التي تجذب الطلاب لهذه المدارس، ولكن هذا لم يثبط عزيمة الطلاب، ولكن يجب على الدول أن تقدم المثيرات الاقتصادية للعمال المهرة والفنيين المتوسطين فهؤلاء الفنيون قد تدربوا في المدارس المهنية التي تقع عادة في قاع السلم التعليمي، ولكن أجور ومرتبات الخريجين تتجاوز الآن عادة أجور ومرتبات أصحاب الوظائف الكتابية الحكوميين والعاملين الآخرين(1).
2/ تراكم رأس المال المادي:
من البديهيات أن النمو الاقتصادي يعتمد بالدرجة الأولى على النسبة التي تخصص من الدخل القومي للاستثمار الفعلي وقد قورنت النسب العالمية للاستثمار في الاقتصاد المتقدم بالنسبة المتدنية في الاقتصاد المتخلف فتبين بوضوح أن الزيادة في مجمل رأس المال التي تسمح به النسب العالية للاستثمار كانت السبب الرئيس في زيادة سريعة في مجمل الانتاج، غير أن الأدلة المتجمعة من بلدان كثيرة تشير إلى أن الأمر ليس كذلك بصورة حتمية، ففي النرويج مثلاً حيث نسبة الاستثمار الفعلي عالية نجد نسبة النمو الاقتصادي متدنية، وغيرها من ان لدول، ولذلك استنتج العديد من علماء الاقتصاد أن الدليل على النمو الاقتصادي ليس في حجم الاستثمار بل إنمنا في تركيب هذا الاستثمار وطبيعته.
3/ الاضافات في مخزون المعلومات والمهارات في المجتمع:
إن الانفاق على التعليم يعتبر ركنًا أساسيًا من رأس المال الثابت، إذ أن الموارد والمصروفات التي تنفق على عملية التعليم تعتبر انفاقًا استثماريًا وليس انفاقًا استهلاكيا، لذا يعتبر نوعًا من الاستثمار البشري في العملية الانتاجية، كما يعتبر سلعة اقتصادية متصلة بحاجات المجتمع، والتعليم بالتالي يدفع إلى العمل والانتاج ويؤهل الكوادر لاستغلال قدراتها واستعداداتها لخدمة المجتمع وتطوره وتقدمه، وتزيد من أوجه المعرفة والمهارات والامكانيات التي تؤدي بدورها إلى زيادة رأس المال(1)، وذلك أن للتعليم أبواب تسهم في النمو الاقتصادي، منها:
1- الباب الأول: أن التنمية التي تتمثل بها الأفكار الجديدة أو الأساليب الجديدة في الانتاج في رأس المال الفعلي هي التي تقرر النسبة التي يتقدم بها الاقتصاد بمجمله، وأن التعليم العالي والمؤسسات البحث العلمي تنبثق من الأفكار والأساليب الجديدة.
2- إن القوة العاملة التي تتألف من فئات ذات مهارات متفاوتة وتصبح بعد ذلك المهارات التي يكتسبها الأفراد هي نتيجة التعليم والتدريب اللذين توفرهما عادة المدارس والمعاهد والجامعات، مع العلم أن قسطًا كبيرًا منهما يكتسب أثناء الممارسة العملية.
العلاقات والمواقف الخفية التي تربط بين أداء العمال والمستهلكين يجب على الدولة أن تتمتع بدرجة عالية من التعليم، مستعدة لتقبل التغير ودعم التغيير(1).
إن استخدام التربية في التنمية الاقتصادية تتطلب أمرين:
الأمر الأول: سياسة قومية تعترف بأن التربية مطلب أساسي من أجل التنمية الاقتصادية.
الأمر الثاني: اعتبار للميزات التي يجب أن تتمتع بها التربية لتسهيل عملية التنمية الاقتصادية(1).
بعض عناصر السياسة التربوية الايجابية من أجل التنمية الاقتصادية:
1- توجيه السياسة القومية إلى النمو الاقتصادي، أي أن الأفراد الذين تبلدت أحاسيسهم بالفقر والحرمان هم متمسكون بكل الوسائل المتاحة لمحو الفرص التعليمية وأن الأساس للحياة الطيبة أيا كانت – هي دائمًا حد أدنى من الصحة والكرامة.
2- أن أي سياسة للتربية من أجل التنمية الاقتصادية لا بد أن نعترف بأن التربية لا بد وأن تتداخل مع التنمية الشاملة ويجب أن نوجه التربية إلى كل من القيم الاقتصادية وغير الاقتصادية.
3- التربية من أجل التنمية الاقتصادية يجب أن تكون مخططة حتى تساعد على نشر الفرصة الاقتصادية والعائد لكل الجماعات العريضة في المجتمع.
4- ومهما يكن فإن التربية المخططة من أجل التقدم الاقتصادي للجميع لا تقترح بالضرورة سياسة استثمار تربوية متساوية مطبقة بالعدل على الجميع، أي بالرغم من أن الهدف من هذه السياسة يجب أن يكون الانتشار الواسع للأرباح الاقتصادية، فإن إمكان الوصول إلى هذا الهدف يمكن أن يتناقص في الواقع من طريق النفقات التربوية المتساوية على كل فئات الشعب الدارسين في أي وقت معين.
5- إذا ما أخذت سياسة ما للتربية من أجل التنمية الاقتصادية في الحسبان عوامل مثل تلك العوامل المذكورة سابقًا فإنها يجب أن تفعل ذلك مع اعتبار الاقتصاد هدفًا أساسيًا للتوجيه ونحن نعني بالاقتصاد الاستخدام السليم للمصادر النادرة في البرامج التربوية بطريقة ما حتى يتحقق الحد الأقصى للعائد من الاستثمار الاقتصادي، بأن السياسة يجب عليها أن تحدد الغايات الاقتصادية التي تنشدها وحينئذ تستنبط الوسائل الاقتصادية لتحقيق تلك الغايات.
6- أن السياسة يجب أن تأخذ في الحسبان العوامل الاجتماعية والثقافية في التربية التي تسهم في التنمية الاقتصادية وتهيء لها مكانًا في التخطيط التربوي.
7- إن أي سياسة تربوية من أجل التنمية الاقتصادية سوف تتطلب أن يكون البحث والتجريب والفرض غير المختبر هي الأسس للتخطيط التربوي أكثر من مجرد الاحساس الشخصي أي يجب أن تخضع البحوث المناسبة أي البحث الذي يعكس الضوء على كثير من العوامل التربوية التي تحتاج إلى أن تختبر من حيث قيمتها الاقتصادية، مثال ذلك البرامج المهنية والفنية وبرامج التربية العامة والتكاليف في علاقتها بالانتاجية التربوية(1).
8- وأخيرًا فإن التربية من أجل التنمية الاقتصادية يجب أن تخطط مع التقدير الواجب لنتائجها الاجتماعية، إذ يجب أن تكون هناك سياسة مسؤولة اجتماعيًا آخذة في الحسبان المدى الممكن للمعرفة المتاحة والنتائج الاجتماعية لمختلف المقررات في العمل التربوي وبإيجاز يجب أن تكون هناك سياسة للتربية من أجل التنمية الشاملة حيث تجد التنمية الاقتصادية مكانها.
ولننتنقل من الاعتبارات السياسية التي تفرض على التربية من أجل التنمية الاقتصادية إلى بعض المكونات النوعية للنظم والبرامج التي تطمع في أن تسهم في التنمية الاقتصادية، وبعض مميزات الأساسية للأنظمة التربوية التي تبدو أنها مدعمة للنمو الاقتصادي، وهي:
1) أن التربية من أجل التنمية هي في الواقع متعلقة بالمعرفة والمهارات مجددة وفي المجتمع التكنولوجي يجب أن تواجه المطالب العقلية الأكثر جمودًا ، ولكن التربية أكثر من مجرد مجموعة معارف أو أكثر من مجرد اكتسابها لها، أنها مدخل إلى خلق المعرفة واستخدامها ، إنها طريقة لتناولها واختيارها واستخدامها، هذا الاهتمام بإنتاج الوسائل واستخدام المعرفة أكثر من المعرفة في حد ذاتها قد يكون مفتاح الموقف لفهم التربية من أجل التنمية الاقتصادية، وإذا كان ذلك صحيحًا فإننا نحتاج إذن إلى أنظمة تربوية تفتح الباب لاكتساب المعرفة الجديدة من خلال استخدام المعرفة الموجودة والأخذ الجاد بذلك المدخل إلى التعليم يتطلب تفكيرًا وتطبيقًا قويين جديدين بالنسبة للعملية كلها.
2) إن التربية المناسبة اقتصاديًا تقدم برامج قابلة للتطبيق في المجالات المهنية والتكنولوجية والعلمية والحرفية المتمشية مع مرحلة التنمية التي تمر بها البلاد، وربما يكون الخطر الأعظم في هذا المجال هو أن البلاد النامية تحاول أن تقلد البرامج التكنولوجية المتعددة للبلاد المتطورة بدون تعديل سواء كانت مناسبة للظروف المحلية أم لا.
3) أن البرامج يجب أن تتميز بالتوازن في الدراسات المهنية والعامة، فهي نطاق التقاليد الخاصة بالدولة التي يمكن لكل بلد أن يقرر أي مقدار من البرنامج التربوي سوف يوجه عمليًا للوظيفة بطريقة واضحة وأي حصة منه سوف تخصص للتعليم العام ويمكن أن نستنتج الدولة أن مشكلاتها التربوية يمكن أن تحل مثلاً بتمهين النظام التربوي وتحويل أعداد متزايدة وضخمة من الدارسين إلى المجالات المهنية والتكنولوجية ولكن الخبرة لا تجسد الأمل، وأنه من السهل أن يوجد فائض من الخريجين المهنيين، تمامًا كما يحصل مع خريجي الآداب، أن المشكلة تتعقد كثيرًا إذا تدرب الخريجون المهنيون من أجل أعمال محددة وأكثر تخصصية مع عدم القدرة على تحويل مواهبهم إلى قطاعات أخرى عن سوق الأعمال حيث توجد الوظائف.
4) التربية من أجل التنمية الاقتصادية تقدر لنظام العمل والتنمية الاقتصادية تعتمد على الانتاج الذي يأتي من طريق العمل، ما يتعلم حول العمل على تحقيق الأهداف أن التنمية تشتمل على أمور ينطلق بالقوة والعمل واحد منها(1).
2/ التربية من أجل التنمية الثقافية والعلمية:
مدخل:
التربية لا يمكن دراستها إلا في إطارها الثقافي، لأن الشخصية التي تعمل التربية على إنمائها تتحدد إلى حد ما بالثقافة والتلميذ الذي تستقبله المدرسة هو نتاج ثقافي بيولوجي، فالتربية تغترف من الوعاء الثقافي العام للمجتمع، وتعتمد أهدافها على طبيعته وفلسفته وآماله ومشكلاته، وهي مؤسسة الثقافة التي عن طريقها يبقى المجتمع ويستمر ويتقدم ويتطور(1) فلا مجتمع بدون ثقافة، ولا ثقافة بدون مجتمع، وإن كانت التربية غاية في حد ذاتها، وهي إعداد الفرد للحياة فإن الثقافة من وسائل التربية التي يستعان بها في تكوين وإتمام هذا الاعداد، والتربية يمكن أن تسهم في التغيير في المجتمع من أجل تنميته والرقي به(1).
التربية من أجل التنمية الثقافية والعلمية:
(1) إذا كانت التربية هي أحدى الوسائل الهامة للاستمرار الثقافي في المجتمع بما يستخدمه من أساليب وطرق يتمرسها الأفراد ويعايشونها، فيضيفون إليها ويطورونها أو يجدون فيها ويبتكرون الحديث منها باعتبارها عملية تنشئة اجتماعية.
(2) ذلك مما يتخذه المجتمع من أدوات التغيير وتنظيماته مستعينة بالمستحدثات التكنولوجية في المجتمع وما تتبعه من قوى التغير وفي مقدمتها المدرسة(التعليم النظامي) والمنشآت التعليمية من خلال مناهجها وبرامجها الدراسية وأنشطتها التربوية، فهي:
أ. تستطيع تعميق المفاهيم الجديدة وترسيخها أو تستبدل فيها بقيم أخرى.
ب. أو تضيف ألوان من المعرفة ورصيد من المعلومات إلى عقول الناشئين ومداركهم وهؤلاء بدورهم يسهمون في احداث التغير الثقافي في مجتمعاتهم وعن طريقهم يمكن إعادة بناء المجتمعات.
(3) كذلك تستطيع التربية أن تمهد التغير الثقافي بأساليب تدريجية مرحلية مستخدمة ما لديها من وسائل مناسبة بالاضافة إلى إمكانية تنسيق الاتجاهات السائدة في المجتمع والتوافق بين القديم والحديد، إلى جانب استطاعتها تذويب أنواع الصراعات في المجتمع (قيم، اتجاهات، ميول)، ويجب أن تتلاءم طرز الثقافة قديمها وجديدها مع حياة الجماعة البشرية في المجتمع، ولعل ذلك يصدق بوضوح عند قيام الثورات ذات الطابع السياسي في عهد الاستعمار الفرنسي للجزائر الذي استمر نحو 130 عامًا.
(4) الثقافة تخضع للتربية في عملية التغير وتتأثر بما توجده التربية في نفوس الأفراد وعقولهم، إذ أن التغير يبدأ أولا وقبل كل شيء في أفكار الأفراد وميولهم ومن ثم يتحول إلى مدركات ومرئيات في المجتمع، وهذا ما تؤدكه الآية الكريمة، قال الله تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وما دامت التربية تتم داخل المجتمع وهي في نفس الوقت في علاقة تبادلية مع الثقافة التي يحولها أفراد المجتمع، فهذا يعني أ، كلا منهما يعنمد على الفرد في حدوثه وإتمام فاعلية.
(5) يهدف هذا النوع من التنمية إلى بناء الإنسان بناء معنويًا ويظهر ذلك في تربية الإنسان وأثراء وجدانه بالقيم الروحية والتقاليد الأصلية، ومحو أميته الثقافية، وإشاعة التفاؤل والاشراق عنده وإزالة الضغوط الاجتماعية والنفسية، وتحقيق جو ديمقراطي من حوله، تزدهر فيه طاقاته وفكره كي يتمكن من الابداع والاكتشاف والاختراع(1).
ويمكن تلخيص وظيفة التربية في ناحيتين هما:
أ. الاحتفاظ بالثقافة ونقلها.
ب. إثراء التراث الثقافي وتجديده.
وأن موقف التربية من هاتين الوظيفتين ليس واحد في جميع عناصر الثقافة، وإنما يختلف باختلاف درجة أصالة العنصر الثقافي الذي تتعرض له ، ففي العموميات ترد التربية قبل إفساح المجال لأي تعديل أو تجديد ومن ثم فإن وظيفة المحافظة بارزة إلا أن ذلك لا ينفي عن التربية أنها أداة تجديد، ولكن بقدر معين ولكن في الخصوصيات نجد التربية أكثر تحررًا لأنها تأخذ رأي المجتمع في ذلك(1).
3/ التربية من أجل التنمية الاجتماعية:
مدخل:
إن التربية هي العملية الجديرة بالنهوض بمستوى الأفراد وتكوين شخصياتهم كما أنها العملية التي تبني الفرد الذي هو قوام المجتمع، فإذا كان الإنسان هو صانع الحضارات التي تسهم بها المجتمعات، فكانت التربية هي صانعة الإنسان، فقد أصبح للتربية دورها الفعال في تكوين المجتمعات.
التربية من أجل التنمية الاجتماعية:
إن عناية التربية والتعليم في أي مجتمع تتحقق بسد حاجات الأفراد الذين يعيشون فيه، ومن شأن التربية أيضًا تنمية الموارد البشرية التي هي في الواقع عماد التنمية الاجتماعية والاقتصادية أيضًا.. وقد لا يكون مغالاة في القول بأن التنمية البشرية الإنسانية تعادل قيمتها بل تزيد على رأس المال المادي.
وقد دلت البحوث على أن الوفرة في الإنتاج لا يمكن ردها إلى عوامل رأس المال والعمل وحدهما، وإنما أيضًا إلى أثر التربية والتعليم، وما يترتب عليها من قوى ابتكارية وتنظيمية في المجتمع.
إن اصطلاح (التنمية الاجتماعية) ما يزال غير محدد المعالم سواء في كتابات علماء الاجتماع أو على مستوى التطبيق، ويختلف العلماء في فهم عملية التنمية، فيرى البعض أنها عملية تشير إلى برامج الرعاية الاجتماعية التي تحقق عن طريقها التشريعات الحكومية والتي تتمثل في توفير التعليم والمسكن الملائم والعمل المناسب والدخل الذي يوفر احتياجات الأفراد والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، والترويح المجدي، والقضاء على الاستغلال وعدم تكافؤ الفرص والانتفاع بالخدمات الاجتماعية المختلفة...الخ.
إن كل ذلك يؤدي بالتأكيد إلى زيادة الكفاية الانتاجية وبواسطته يمكن استثمار طاقات الأفراد إلى أقصى حد ممكن ولكن التنمية الاجتماعية أكثر من ذلك، إنها عمليات التغير الاجتماعية المقصودة والمخطط لها، إنه التغير الاجتماعي الذي يسعى إلى تغيير التركيب السكاني والطبقات الاجتماعية وأنظمته وأنماط العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع، وهو كذلك التغير في القيم والمعايير السلوكية، وبهذا تصبح التنمية الاجتماعية ليست مجرد تقديم الخدمات وإنما هي الجهود المنظمة لتغيير الأوضاع الاجتماعية، التي لم تعد تواكب الحضارة وتطور المجتمعات، والوصول بالمجتمع إلى بناء اجتماعي يحقق القسط الأوفر من احتياجات الأفراد كما تهدف إلى القضاء على الفقر والأمية والمرض والجريمة ومعالجة الهجرة والاكتظاظ في المدن وغير ذلك من المشاكل التي تعطل نمو المجتمع وتطوره، كما تحقق التنمية الاجتماعية العدالة والمساواة والرفاهية بين الأفراد، بالاضافة إلى ذلك فالتنمية الاجتماعية نوع من الاستثمار ذو مردود اجتماعي، يمكن حسابه وتقديره، وتمثل هذا المردود في تخفيف حدة المشكلات الاجتماعية ومحو الأمية وخفض معدلات الطلاق(1)، والجرائم المتنوعة وتهيئة المناخ الصحي لنمو الأفراد ورفاهية ألأسرة وإعداد الطاقات البشرية وتدعيم الكفاءات العلمي.
وهكذا نرى أن دور التربية والتعليم في التنمية الاجتماعية يساعد على اكتشاف الأفراد وتنميتهم ويهيء لهم سبيل التفكير الموضوعي في مختلف المسائل، ويزيد قدرتهم على الخلق والابتكار، كما يحفز الأفراد على تحقيق التقدم، ويجعل العقول والنفوس أكثر استعدادٍا لتقبل التغير الايجابي والرغبة فيه.
كما يعتبر التعليم إحدى القوى المحررة للأفراد والجماعات الاجتماعية، لأنه يزيد من طموح الأفراد ويدفعهم إلى الصمود في السلم الاجتماعي والالتحاق بالجماعات المطالبة بتحسين أوضاعهم، أضف إلى ذلك أن التعليم يلعب دورًا كبيرًا في إزالة الفروق بين الطبقات، وفي التخطيط الطبقي، أو الاندماج في الطبقات الأعلى، وحتى الانتقال من طبقة إلى طبقة أخرى(1).
التربية من أجل الوحدة الوطنية والتنمية السياسية:
مدخل:
قال رسول الله في مكة المكرمة "والله إنك أحب البقاع إلى الله ولو لم أخرج منك ما خرجت"(1)، ويتضح من حديث المصطفى أن حب الوطن الصحيح من الصفات والسجايا التي يجب أن يتمتع بها الفرد المسلم، فهذه المحبة نابعة من القلب ليس نابعة للقرار السياسي بل أن محبة الوطن تجري في الدماء تلك البقعة من الأرض التي حضنت طفولتنا والكثير من الذكريات الوطن الذي شرفه الله عز وجل ببيته الحرام وبالمسجد النبوي الشريف، كام حقًا علينا أن نتحدث عن تنمية الوحدة الوطنية والتنمية السياسية وكأحد العوامل المساهمة في ارتقاء وبناء الفرد والمجتمع.
التربية من أجل الوحدة الوطنية والتنمية السياسية:
لكي يتحقق هدف التربية من الوحدة الوطنية والتنمية السياسية لا بد من توافر الشروط التالية:
أولا: التعليم:
الذي حثنا عليه ديننا الإسلامي وأول آية أمرت بالقراءة وليس بالعبادة، وذلك أن العبادة لا تقوم إلا على القراءة، التي يقصد بها العلم وهذا العلم الذي شرفه الله بالمكانة العالية حيث كان أنبياءه معلمين البشرية، وكان حق البشرية أن تقوم على أساس احترام الحقوق الانسانية وذلك أن يكون الفرد متعلمًا لكي يستطيع أن يطبق القرارات التي يتطلبها النظام السياسي والأحكام بكفاية، (وذلك لأنه يراها من وجهة نظر الانسان المتعلم الذي يعرف أن القرار السياسي دائمًا يتكون في مصالح الفرد والمجتمع، وأن كانت غير ذلك فهي تكون من أجل سد الكثير من الفجوات أو تفادي الكثير من المشكلات فالانسان الواعي والمتعلم يعرف ذلك ولكن الانسان الجاهل فإنه يتذمر من هذه السياسات لأنه يراها من منظار واحد أو من زاوية واحدة ولم يراها من أكثر من زاوية، ولذلك تكون نظرته قاصرة وغير واعية بجميع الجوانب.
وأن يكون التعليم عامًا وشاملاً لكل المناطق والقرى في الدولة وليس فقط مقتصرًا على المدن دون القرى، فإذا كان هناك تمثيل لكل اهتمامات المجتمع فإن الهدف الأهم (تعليم المجتمع)(1).
ثانيًا: الوحدة:
الوحدة هي ذلك الهدف الوحيد الذكي أمام كل مجتمع فخور بثرواته الإنسانية وهي الوحدة والنبوغ وليس معنى ذلك التضييق على الثروة والتنوع في التقاليد الموجودة في المجتمع، ولكن بأن تنسج قماش متعدد الألوان من تنوع التقاليد والناس لنصنع منه لباًسًا جديدًا للمجتمع الجديد.. ويجب أن يكون هذا اللباس يدفء كل المواطنين من جميع الأقاليم والقبائل، ويجب على التربية أن تعلم احترام التقاليد واحترام اسهامات الآخرين فالوحدة التي نرجوها يجب أن لا تكون عن طريق التمتع ولكنها وحدة الاسهام المتنوع، وعندئذ نستطيع هذه الوحدة أن تقدم الأمن المتنوع، مما يؤكد حياة وفيرة للجميع(1).
ثالثًا: متطلبات الوطنية:
الوطنية هي تلك العاطفة القوية التي يحس بها المواطن نحو وطنه العزيز، وتلك الرابطة الروحية المتينة التي تشده إليه، والوطنية تجب على المواطن أن يحب وطنه، وأن يبذل كل ما في وسعه من أجل رفعة وطنه، وأن يضحي بكل ما يملك في سبيل الله ثم في سبيل المحافظة على سلامة وطنه وأمنه واستقراره، وللوطنية متطلبات ونعني بذلك هي تلك الصفات والسجايا اللازمة التي لا بد من توافرها في أفراد المجتمع لكي يتمكنوا من أداء واجبهم تجاه خالقهم أولا، ثم تجاه أنفسهم وولاة أمورهم ومجتمعهم وأمتهم والتمتع بحقوقهم بصفتهم مواطنين صالحين في مجتمع تتكافأ فيه الفرص وتقوم العلاقات فيه على أسس إسلامية سامية، ويمكن القول أن متطلبات الوطنية في نظر الإسلام تقوم على ركيزتين هامتين، هما:
أولا: التمسك بمحاسن الأخلاق التي حددها الإسلام وحيث على التخلق بها وهي كثيرة منها: الاعتماد على الله والايمان بالقضاء والقدر، والاعتماد على النفس بعد الاعتماد على الله، والأمانة، والاخلاص، والوفاء، والصدق، والصر، وسلامة الصدر، والحياء، والرحمة، وغيرها من الصفات الحسنة التي حثنا عليها الإسلام.
ثانيًا: الابتعاد عن المساويء من الأخلاق التي حذر الاسلام منها، وهي كثيرة ومتعددة، منها: الحسد، الغش، النفاق، النميمة، الظلم، الرشوة، الرياء، الغيبة، الغدر، الحمق، الكذب، الجهل، الخبث، المكر، الشراسة، الخيلاء،ا لجبن، الزهور، الجدل، الشك، الريبة...الخ(1).
خامسًا: التربية من أجل التنمية الشاملة:
مدخل:
إن المعالجة الجذرية لهذه الأزمة التربوية التي يمر بها المجتمع ليست بالأمر الهين، فالحلو الهامشية أو الوقتية التي تعتبر استنزاف للوقت ومضيعة للجهود الأفراد والجماعات ويجب أن نبحث عن حلول جذرية من خلال تناولنا للعناصر الأربعة السابقة، وجدنا الكثير من العيوب والمثالب في النظام التعليمي مثلا في الدولة فمثلا السمات البارزة للتعليم في الدولة :
1- التوسع الكمي: حيث دلت الاحصاءات التي توفرت لدينا أن النمو الكمي في عدد الطلبة في البلدان العربية في زيادة واضحة، رغم أن نسبة الأمية عالية ومعدلات زيادة السكان في ارتفاع مستمر.
2- زيادة كلفة التعليم وانخفاض إنتاجيته، إن ناتج التعليم (مخرجات التعليم) أقل بكثير من مدخلاته وقد أدت هذه الظاهرة إلى أن يكون مردود التعليم قليل المخرجات.
3- فقدان التوازن في الخدمات التعليمية التي تقدم للمواطنين: حيث ديمقراطية التربية وتكافؤ الفرص في التعليم شعار دفعته كثير من الدول العربية إن لم يكن كلها لكنه من حيث التطبيق بقي بعيدًا عن الواقع فالخدمات التي تقدم إلى مناطق المجتمع الريفي غير متكافئة مع الخدمات المقدمة لمجتمع المدينة.
4- فقدان التوازن بين محتوى التعليم وأنواعه: إن الصفة الغالبة على التعليم هي الناحية النظرية الأكاديمية، ويلاحظ ذلك من تحليل محتوى الدراسة ومناهجها حيث أن الاهتمام ينصب على الناحية العقلية (اللفظية) المعلومات والحقائق والمعارف واهمال الجوانب الأخرى من السلوك مثل تنمية القيم الاجتماعية والاتجاهات والمواقف وإهمال الخبرات الفنية والمهنية في التعليم العام، مع التقليل من أهمية التعليم الفني والمهني اللازم لاعداد العمال المهرة والفنيين بمختلف درجاتهم، وبالرغم من أثر ذلك وأهميته على خطط التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي.
التربية من أجل التنمية الشاملة:
الحل الجذري مرتبط بنظام الحكم وفلسفة الدولة، وعليه فإن تطوير التعليم وإحداث التغييرات الجذرية الشاملة في جوهره يقوم بالأساس على هندسة الرؤية الجديدة للمجتمع، فتغير النظام الاجتماعية للدولة شرط أساسي مسبق لنمو التعليم وإحداث التغيرات الجذرية، وجوهرية في سياسته واتجاهاته ووظائفه، وهذا ليس بمقدور التربية ورجالتها مباشرة القيام به، وتحقيقه لأن التربية تابعة للطبقة الحاكمة التي توجهها لمصلحتها ولكن يجب أن تكون السلطة في خدمة الشعب وعند ذلك يكون التعليم سلاحًا بيد الشعب فيتحمل مسؤوليته في تحقيق أهداف المجتمع العربي في مرحلة التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي.
والحل الجزئي – الحل التصحيحي – الذي يتمسك بنظام التعليم القديم الذي استقدمه المجتمع من الغرب مع إحداث تعديلات هامشية وتحسينات بسيطة في شكل النظام وإطاره بدلا من إحداث تغييرات في جوهر النظام ومحتواه ووظائفه، أننا إذًا نرفض الحل الثاني – الحل الجزئي – ونعتبره عملية تحذير وتجميد لدور التربية في الاسهام في تحقيق أهداف التنمية الشاملة نتبنى الحل الأول الحل الجذري الذي سيؤدي إلى تحول نوعي في المجتمع العربي ويجعل من التربية قوة فعالة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية(1).
وانطلاقًا من وضوح الرؤية وتحديد الموقف في رفض الحلول الجزئية الاستسلامية التصحيحية وعدم الموافقة على انتظار الحلول الجذرية الشاملة، تبرز مقترحات جديدة لتطوير النظام التعليمي نفسه، وإعادة تكوينه في ظل الظروف القائمة.. ومن ذلك ما يلي:
الاتجاه نحو الأصالة في تحديد الأهداف التربوية للنظام التعليمية وضرورة انبثاق هذه الأهداف من فلسفة (اجتماعية واضحة) المعالم متكيفة مع المطامع والحاجات الاجتماعية الجديدة للمجتمع (المتغيرات الخارجية) ومتكيفة مع نوعية الدارسين من الطلبة وحاجاتهم (المتغيرات الداخلية).
الأسس والمباديء التي تعتمدها هذه الفلسفة الاجتماعية:
1- ترسيخ الوحدة الوطنية التقدمية والوعي القومي وتعبئة طاقات المجتمع في معركة بناء وتقدم المجتمع.
2- الايمان بأن الديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي.
3- الأخذ بأسباب العلم والتكنولوجيا مع التأكيد على أسلوب التفكير العلمي وتكوين العقلية المتطورة والحديثة التي تتطلبها روح العصر وتحدياته.
4- تحقيق النمو المتكامل في شخصية الفرد المتعلم من النواحي (الجسمية والعقلية والوجدانية)، وإبراز أهمية ربط تربية الشخصية الفردية بالتكامل مع الأهداف الاجتماعية والدور الاجتماعي الذي تقوم به.
5- ترسيخ الايمان بالمثل الإنسانية العليا والقيم الاجتماعية التي تخدم التقدم والحياة العملية في المجتمع.
6- تعزيز ثقافة المجتمع والاهتمام بها مع التأكيد على اصطفاء التراث البشري النافع اجتماعيًا.
7- الانفتاح والتعاون مع شعوب العالم والتساند الدولي من أجل تحقيق أهداف البشرية في السلام العالمي والتقدم الحضاري.
إن هذه الأسس التي تعتمدها الفلسفة الاجتماعية تدعو إلى الإيمان بفلسفة تربوية تتسم بالقومية والتقدمية والعلمية والانتاجية تتوخى الأمور كسياسة تعليمية مقترحة..
(1) تعميم التعليم الابتدائي:
وتنفيذ الزاميته على كافة أطفال سن الدراسة الابتدائية في مدة أقصاها عشر سنوات، وتحقيقًا لمبدأ تكافؤ الفرص التعليمية تعطى أهمية خاصة للتعليم بالريف وتعليم البدو، وتعليم البنات وتعليم المعوقين وتعليم الفئة الفقيرة المحرومة اقتصاديا بتقديم التسهيلات المعاشية والمساعدات المالية والمكافآت الأدبية والمادية (تكافؤ أو تقارب في الفرص الاقتصادية والاجتماعية) (1).
(2) التعليم المتوسط (الاعدادي):
حيث الاستمرار في التوسع في حجم التعليم المتوسط والعمل على قبول الناجحين في التعليم الابتدائي على أساس أسبقيات الخطة والموارد المالية فضلا عن مطالب التنمية الاقتصادية مع التأكيد على جعل العمل ركيزة من ركائز هذا التعليم(1).
(3) التوسع في التعليم الثانوي:
لاتاحة الفرصة للأعداد المتزايدة من خريجي المدارس المتوسطة للقبول في هذا النوع من التعليم على أن يراعى زيادة حظ التعليم المهني وفقًا لحاجات البلاد من القوى الفنية الماهرة لسد متطلبات خطط التنمية في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة، ولما كان التقسيم التقليدي للتعليم الثانوي إلى ثانوي عام، وثانوي مهني، تجسيدًا لمبدأ الفصل بين العلم والعمل، بين المعرفة والتطبيق، لذا نرى أن تتجه السياسة التعليمية إلى إقرار التعليم الثانوي الموحد الشامل ذلك التعليم الوظيفي المتعدد الجوانب الذي لا يفصل بين الدراسات النظرية والدراسات العملية أو بين التعليم الأكاديمي والتعليم المهني(1).
(4) التعليم العالي:
تعزيز اتجاه التعليم العالي نحو الدراسات العلمية والعملية بما يحقق أهداف التنمية ومتطلباتها من الموارد البشرية الفنية والمدربة وهذا يتطلب تجنب التوسع الارتجالي في التعليم الجامعي، وخاصة في فرع الانسانيات واللغات على حساب المجالات العلمية والتكنولوجية والسعي لانشاء جامعات نوعية وجامعات بالمستوى القومي(1).
(5) محو الأمية وتعليم الكبار:
حيث التوسع في حملة مكافحة الأمية بين الكبار تتم على مدى خمسة عشر عامًا على الأكثر، إن حملة المكافحة يجب أن تستند إلى الجد والجبر والالتزام سواء من جانب الدولة والهيئات الشعبية أو المتعلمين بما يوفر الوسائل والامكانيات والتشريعات اللازمة للعمل الجاد في محو الأمية أو من جانب الاميين أنفسهم في ضرورة الاستفادة من الفرص المتاحة لتعليمهم وباتخاذ الحوافز والروادع بما في ذلك مراعاة شرط التعليم في التعيين والترقية وغيرها(1).
(6) الاهتمام بجودة التعليم ورفع كفاءته:
إن تحقيق أهداف السياسة التعليمية المرتبطة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول العربية لا يتطلب الاهتمام بالتوسع الكمي في حجم التعليم وتغيير نوعية الدارسين من الصفوة المختارة القليلة إلى الكثيرة من الجماهير الشعبية فحسب بل يتعداها إلى ضرورة الاهتمام بنوعية التعليم ورفع كفاءته ليكون مناسبًا ومتكيفًا من حيث محتواه لطبيعة ا لدارسين ومستواهم وكذلك حاجات المجتمع ومتطلبات التنمية..
إن تحسين نوعية التعليم ورفع كفاءته يتطلب الاهتمام بكل المتغيرات والعوامل التي تحدد هذه النوعية كتحسين برامج إعداد المعلمين وتدريبهم وتطوير القيادات الادارية الكفوءة وتوفير الأبنية المدرسية الصالحة وإعادة النظر في المناهج وتطويرها وفقًا للأهداف وتوفير الكتب المدرسية الجيدة والمجسدة للمناهج، وتطوير طرق التدريس ونظم الامتحانات والتقويم وتوفير الوسائل التعليمية المساعدة للتدرس وبخاصة التقنيات الجديدة وإدخال الارشاد والتوجيه المهني وتقوية العلاقة بين البيت والمدرسة.
(7) تشجيع البحوث والتجريب في التربية:
لما كان البحث التربوي وما يتبعه عادة من تجريب في الدولة ليس على المستوى المطلوب نظرًا لقلة ألأيدي الفنية العاملة وضآلة الموارد البشرية المخصصة له، لذا وجب على هذه الدولة أن تعطي أهمية للبحوث وتطبيقاتها العملية وألا تعتبرها أعمالا هامشية بل عملية ضرورية لازمة لرسم السياسة التعليمية المبتكرة والمتجددة وخاصة إذا ارتبط البحث بالتجريب كما أن النية يجب أن تتجه إلى إنشاء مركز للبحوث التربوية على المستوى الوطني.
ولقد لعبت البحوث التربوية وتطبيقاتها العملية دورًا بارزًا في تطوير التعليم وسياسته في الدول المتقدمة، من حيث تغيير بنيته وإدارته وأهدافه ومحتواه وطرائقه وتحديد انتاجيته وتكاليفه وعائديته، ومن جملة الابتكارات الجديدة في التعليم كحصيلة للبحث والتجريب هي معلم الصف الواحد وعريف الصف، والمدرسة الشاملة والمداس المفتوحة، وكليات المجتمع والمدرسة بدون جدران، وتقنيات التعليم كاستخدام التلفزيون والمسجل والراديو وألأفلام.
وإذا توفرت الشروط السابقة في التربية من خلال تنمية كل جانب من جوانب المجتمع، تظهر لدينا تربية تحق ما نرمي إليه من بناء الرقي لكل من الفرد والمجتمع(1).
الثالث: وضحي ما إذا كان يعتبر أن تكون التربية محافظة؟
مدخل:
لقد تمهلت وتريثت كثيرًا قبل أن أبدأ بالإجابة على هذا المحور، ليس لصعوبته بقدر ما هو محور واسع وفضفاض، تتعدد فيه الآراء من بين ما يعتبر التربية المحافظة ميزة ويجب أن نحافظ عليها، وبين من يدعي أن عيب ويجب التجديد فيها، ولقد اخترت أن أكون غير مختارة لطرف دون آخر ليس لضياع أو تشتت في وجهة نظري، بقدر ما هي بصيرة اكتسبتها بعد قراءة العديد من الكتب والاستعانة بآراء الكثير من المختصين، وسأعرض وجهة نظري من خلال محورين رئيسين هما:
أولا: التربية المحافظة (أوجه القوة).
ثانيًا: التربية المحافظة والتجديد (أوجه القصور).
أولا: التربية المحافظة (أوجه القوة):
التعريف الإجرائي:
التربية المحافظة هي التربية التي تحافظ على تقاليد وتراث العلمي والانساني للمجتمع من المجتمعات عندما يلتزم بها ويأخذها نظام له، وهذه التربية المحافظة لا تكون نقص في التربية، بل ميزة ومن أمثلة على هذا النوع من التربية:
1/ التربية الإسلامية:
مفهوم التربية المحافظة:
هي تلك التربية (تربية المعاملات) التي تحافظ على الشرائع والتوجيهات والمعاملات التجارية من تحريم الربا وغيره، والقيم والمباديء والأخلاق الحسنة التي منها الدين الاسلامي، ووضحها في كتاب الله (القرآن الكريم) وسنة المصطفى r.
تتميز التربية الإسلامية جمعها بين الثبات والمرونة، ففيها الثبات فيما يخلد أصول، ويبقى والمرونة فيما يتغير ويتطور، وهذا ما يميزها عن الأنظمة التربوية الجامدة، والأنظمة التربوية التي تتطور وتتغير باستمرار، ولا يوجد فيها شيء ثابت وهذه التربية المحافظة هي التي تجعل المجتمع المسلم مجتمعًا متماسكً ومترابط لقوله r "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تتداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، ومجتمع هي أن يكون معافى من الأمراض الاجتماعية الفتاكة من انتشار شرب الخمور والرذيلة وغيرها، وهذا نتائج تكون واضحة فيما تعاني الإنسانية اليوم من ضياع الطفولة، إما بسبب المبالغة في الاباحة والتدليل وانعدام الضوابط في معاملة الأطفال إما بسبب الافراط في الشهوات وانعدام ضوابط الغرائز، اعندامًا أضاع ملايين الأطفال الغير شرعيين، إما بسبب الأفراط في ابتذال المرأة إفراط جعلها تخالط الرجال في كل شيء فتفقد أنوثتها ومكانتها الأولى في تربية الأطفال، ومن كل ذلك نشأ تفكك بنيان الأسرة وضاعت الطفولة كما ضاعت الأنوثة والرجولة جميعًا، وأصبحت الإنسانية تعيش في بؤس وتيه وشقاء(1).
وكان للتربية الغربية الحديثة نصيب لا يستهان به من المسؤولية عن هذا الضياع والبؤس والشقاء، لذلك لا يجد العاقل بدًا من البحث عن بديل لها(1). وهذا البديل لا يكون إلا في وسطية الاسلام التي لا إفراط فيها ولا تفريط، ولا غلو ولا تقصير، والوسطية في الإسلام لا تكون في جانب بل في كل الجوانب، من عبادة الله عز وجل، ووحدانيته، فلم يتخذ المجتمع المسلم السائر على صراط الله المستقيم أنداد لله سبحانه وتعالى، علوًا كبيرًا، ولم تضل كما ضلت النصارى الذين شبهوه المخلوق بالخالق، وجعل لعيسى عليه السلام خصائص الألوهية فغلوا وجعلوه شريك لله سبحانه عما يشركون، حتى في انفاق على الاسلام إلى الاعتدال، قال تعالى: }ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملومًا محسورا{، وفي تناول الطيبات، وكذلك دعى إلى الاعتدال قال تعالى: }يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين{، وهكذا يتبين منهج الإسلام في التربية الوسطية البعيدة عن الغلو والتقصير والافراط والتفريط(1).
ب / مفهوم التربية الإسلامية:
إذا رجعنا إلى معاجم اللغة العربية وجدنا لكلمة التربية أصولاً لغوية ثلاثة:
الأصل الأول: ما يربو بمعنى زاد ونما، وفي هذا المعنى نزل قوله تعالى: }وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله{ (الروم: 39).
الأصل الثاني: ربى يربي على وزن خفى يخفى، ومعناها: نشأ وترعرع وعليه قول ابن الأعرابي:
فمن يك سائلا مني فإنــي بمكة منزلي وبها ربيــت
الأصل الثالث: رب يرب بوزن مد يمد بمعنى أصلحه، وتولى أمره، وساسه، وقام عليه ورعاه، ومن هذا المعنى قول حسان بن ثابت، كما أورده ابن منظور في لسان العرب:
ولانت أحسن إذا برزت لنــا يوم الخروج بساحة الفقــر
من درة بيضاء صافيــــة مما تربب حائر البحــــر
وقال: يعني الدرة التي يربيها في الصدق، وبين جأن معنى: تربت حائر البحر: أي محا تربية أي رباه مجتمع الماء في البحر.
قال: ورببت الأمر أربه: وربابًا: أصحله ومتنته.
وقد اشتق بعض الباحثين من هذه الأصول اللغوية تعريفًا للتربية ، قال الإمام البيضاوي في تفسيبره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل): "الرب في الأصل بمعنى التربية وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئًا فشيئا، ثم وصف به تعالى للمبالغة، وفي كتاب مفردات الراغب الأصفهاني: "الرب في الأصل التربية وهو إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام"، وقد استنبط الأستاذ عبدالرحمن الباني(1) من هذه الأصول اللغوية أن التربية تتكون من عناصر:
أولها: المحافظة على فطرة الناشيء ورعايتها.
ثانيها: تنمية مواهبه واستعداداته كلها وهي كثيرة متنوعة.
ثالثها: توجيه هذه الفطرة وهذا المواهب كلها وإصلاحها وكمالها اللائق بها.
رابعها: التدرج في العملية وهو ما يشير إليه البيضاوي بقوله (... شيئا فشيئا) والراغب بقوله: (حالا فحالا...) بمعنى آخر، أن الأستاذ عبدالرحمن الباني استنبط من الأصول اللغوية للتربية أن يجب عليها أن تحافظ على فطرة الناشئين ورعايتها مع أهمية السيطرة أو محاولة السيطرة على القوى الخارجية دون أن تتحكم في فطرة الناشيء، وتشويهها، وكذلك يجب تنمية المواهب واستعدادات الفرد سواء في الأسرة أو في المؤسسات الاجتماعية، وتنمية مواهبه والاعتناء بها، وكذلك نقوم بتوجيه الفطرة والمواهب والاستعدادات الناشيء نحو صلاحها وكمالها، وأخيرًا نقوم بهذه الأعمال بشكل تدريجي، وذلك على قوله بقول الأصفهاني، والبيضاوي، فلا بد من التدرج، أي لا تقوم بذلك دفعة واحدة، لأن سيكون مصير ذلك الفشل.
ب / التربية المحافظة والتجديد:
مدخل:
قال تعالى: }إنا وجدنا آباءنا على أمة...{، من منطلق هذه الآية الكريمة التي ترفض أغلال الماضي وقيوده الخاطئة، التي تقيد الإنسان وتمنعه من التقدم والتطور والماء، فإن التربية التجديدية كذلك ترفض التربية المحافظة ليس على العادات والتقاليد المحمودة بل على تلك العادات التي تحجرت على المجتمع من محاولة مواكبة التطور والتقدم.
تربية المحافظة والتجديد:
التربية المحافظة هي تلك التربية التي تحافظ على كل ما توصلت إليه تراث المعرفي والعلمي والاكتشافات والمخترعات العلمية وغيره، دون أن تجد فيها بل وقفت على هذا الماضي المجيد دون أن تحدث فيه وتطور وتسمى أحيانًا بالتربية التقليدية أو التربية الرجعية.
وهي تربية تأثرت بمفهوم التربية اليونانية القديمة، حيث ساد الاعتقاد بأن المعرفة في حد ذاتها تؤدي إلى تغيير السلوك، لأن معرفة الحق عندهم تؤدي إلى اتباعه، وهذه التربية بمفهومها الضيق القاصر على المعرفة، وهذا يظهر جليًا في المؤسسات التربوية لهذا المجتمع، من الأسرة، المدرسة، المسجد، وغيرها.
الأسرة:
إن الأسرة هي أصغر وحدة اجتماعية، وهي منشأ المجتمع وأساسه، وقد كانت الأسرة القديمة – أسرة ممتدة – بمعنى أنها تتكون من الأب والأم والأطفال والأجداد والأعمام والأخوال وغيرهم، وهذا النوع منتشر في المجتمعات الريفية، إلا أن هذا النوع من الأسرة يوجد به اوجه قصور ومنها ضعف سيطرة ألآباء على الابناء لتدخل الآخرين في تربية الأبناء من الجد والجدة والأعمام وغيرهم.
وللأسرة وظائف عديدة منها تعليم الأبناء الذي كان يقوم على المحاكاة والممارسة، فالابن يحاكي أباه والبنت تحاكي أمها، وكذلك توفير الغذاء عن طريق الزراعة أو غيرها.. ونسيج الملابس، وبناء المنزل، وغيرها ، فكانت الأسرة بالنسبة للفرد هي محور حياته الذي يدور حولها فهي تعلمه تغذية تكسيه وغيره، وبعد أن تقدم الانسان في سلم الحضارة واستطاع التقدم في وسائل الاتصال بينه وبين الآخرين، متخطيًأ الزمن وملغيًا المسافات وعن طريق الكتابة عرف أفكار وانتاج السابقين تعقدت الحياة وتطورت واحتاج المجتمع إلى تربية تناسب هذا التعقد والتبدل وعلى عكس التربية البسيطة التي كانت تتناسب احتياجات المجتمع البسيطة في ذلك الوقت.
خامسًا: إلى أي حد تصفين التربية التي مرت بها وتمرين بها بالمحافظة والتجديد؟
مدخل:
تربيتي:
إذا كتبتك في سطور دفتري..
فهل سأكون صادقة مع نفسي حين أكتبك؟!!
بدون مثالية، بل كما أنت على حقيقتك!!
سأحاول أن أسلط الضوء على كل جانب من جوانبك..
وأتمنى أن أكتبك..
تربيتي:
هي تربية تتلاءم مع اعتبارات الدين والبيئة والتراث والتقاليد، وهي تربية متجددة غير جامدة، وإن أخذت بالأنماط من التنظيمات المطبقة في بلاد أخرى فيجب أن تكون ضمن حدود تلك الاعتبارات، وخاصة الدين وهذا أمر أباحه الله تعالى في شريعته، فهو غير متعارض مع الشريعة، بل هي من خصائص ومميزات تميزها عن غيرها من الأنظمة التربوية الوضعية، وهي خاصية أنها (تربية تجمع بين الثبات والمرونة)، فهي ثابتة في الأصول والعقائد والمحرمات اليقينية كالسحر والرياء وهي مرنة فيما يتعلق بجزئيات الأحكام وفروعها العلمية وخاصة في مجال السياسة الشرعية، وهذا القسم يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانًا ومكانًا وحالا.
ونتيجة لما في هذا التربية من ثبات فهي تحتفظ بأصولها ثابتة لا تتغير، ونتيجة لما فيها من مرونة فهي تتفاعل مع غيرها من الأنظمة التربوية فتأخذ منها ما يلائمها ويتكيف معها.
وفي أسرتي: كان أبي وأمي يغرس في نفسي محبة الله عز وجل ومراقبته وربياني على المحافظة على الصلاة وصوم رمضان لن أبالغ فأنا من بيت دين قبل أن يكون بيت علم، وهذا من فضل الله وكان أبي يغرس في نفسي حب العلم لذات العلم فيعلم أكون وبدون لا أكون، فأحببت العلم وأخلصت في طلبه، فهذا أسرتي أسرة محافظة على الشرع والعرف.
أما مدرستي: فكانت تعلمني كيف أقرأ وأكتب، كيف أصعد السلم التعليمي سنة وراء سنة، بكل تفوق، ولكنها للأسف أغفلت جوانب كثيرة في شخصيتي وركزت على تنمية الجانب المعرفي، وأهملت تنمية هواياتي ومواهبي، ومنها (هواية القراءة) كنت أحب القراءة والاطلاع على الكتب، ولكن كانت هذه الهواية يقل صداها داخل نفسي دونما أشعر ودونما أعرف أسباب ذلك، حتى وصلت إلى مرحلة أصبحت لا أقرأ فيها إلا ما تقرر عليه من منهج دراسي وغيره، وعندما كلفني حضرتكم بواجب (رعب السؤال) كنت أتثاقل الواجب وكيف أنجزه، ولكن عندما بحثت فيه عرفت أسباب داءي وكيف يكون شكل دوائي، وأردت أن أرفق حل الواجب بخطاب شكر وتقدير لسعادتكم ولكن خفت أن أتهم بالتملق، فصرفت النظر عن ذلك، وقلت في نفسي إذا انتهت السنة الدراسية سأعلمه بشكر وعرفاني لسعادتكم، ويعلم الله أن هذا من صميم وجداني فلم تعلم كيف حللت معضلتي وعندما قررتم سعادتكم بهذا الواجب فرحت أنني ستسمح لي الفرصة بأن أعبر عن شكر لكم وتقدير، فلكم خالص الشكر والعرفان.
أولا: المدرسة المحافظة:
اقتصرت وظيفة المدرسة على الاهتمام بالمعرفة وأهملت جميع الجوانب النفسية والاجتماعية والفكرية بمعناها الشامل، فالمدرسة إذا كانت تركز على الجانب المعرفي وكانت تحاول تزويد التلاميذ بالمعلومات دون النظر إلى الطريقة التي تقدم بها هذه المعلومات، وقد ترتب على ذلك في بعض الأحيان أن التلاميذ كانوا يدرسون المادة ويحفظونها ولكن يبغضونها في نفس الوقت، وبذلك فإن صلتهم بما كانوا يدرسونه كانت صلة موقوتة تنتهي بانتهاء الدراسة وحصولهم على الشهادة، وبذلك فإنهم يرتدون إلى الأمية، في مجال دراستهم، بعد فترة من الزمن، بسبب النسيان من جهة، وعدم القدرة على ملاحقة التطورات السريعة في مجال العلم والثقافة من جهة أخرى.
كما ترتب على ذلك أيضًا أن المعرفة التي كان التلاميذ يحصلونها كانت من النوع الهامل الميت الذي لا يغير نظرة الإنسان إلى نفسه، أو بيئته أو حياته، ولا يعدل من سلوك الإنسان.
ولقد أدى الأخذ بهذا المفهوم الضيق للمنهج إلى عزلة كبيرة بين الممارسة والحياة، فالمدرسة غارقة في اهتمامها بتحفيظ ما في الكتب من معلومات قلما ترتبط بحياة التلاميذ ارتباطًا وثيقًا، والمدرسة لا تعد للحياة بجميع ما تتطلبه من مهارات واتصالات وقدرة على تحمل المسؤوليات وحل المشكلات، والمشاركة في مجالات التقدم والانماء، وبذلك فإن التلاميذ يخضعون لأسلوبين متباينين من أساليب التربية:
أحدهما: جاف نظري وهو الأسلوب المدرسي.
الآخر: طبيعي يفيض بالحيوية والحركة والنشاط. ويقوم على أساس التفاعل والتعامل بين الفرد والبيئة والحياة ولكنه يفتقر إلى التقنية والتبسيط والشمولية والتوجيه، وذلك هو أسلوب الحياة.
وسنتناول في حديثنا عن المدرسة عن المنهج، المعلم.
أ/ المنهج القديم المحافظ:
ينبني على ىنظرية المعرفة، وذلك أن كثرة تلقي المتعلم للمعارف تؤدي إلى تدريب العقل وتنمية الذكاء عنده، وأن هم المدرسة القديمة محصورًا في تزويد التلاميذ بالمعلومات، ويرجع ذلك إلى أهميتها من جهة، وإلى أن التربية القديمة لم تكن تعرف هدف سواها تسعى إلى تحقيقه من جهة أخرى، والمنهج داخل المدرسة المحافظة القديمة لم يكن يتضمن شيئًا سوى هذه المقررات الدراسية وإن المنهج في ظل مفهومه الضيق قد ركز على الجوانب النظرية واللفظية، أما بالنسبة للتقويم في المدرسة القديمة فكانت الامتحانات بصورتها التقليدية وسيلة لتحديد مدى ما اكتسبه التلاميذ من المعرفة قد أدى كل ذلك إلى إهمال النواحي العملية والتطبيقية، واقتصر تحصيل التلاميذ للمعرفة على أدنى مستوياتها، وهو مستوى الحفظ والاسترجاع الآلي، أما المستويات العليا من المعرفة وهي الفهم والتطبيق والممارسة الذكية والنقد والابتكار والابداع، فلم تكن تدخل في نطاق أهداف المدرسة القديمة المحافظة.
ب/ المعلم في المدرسة المحافظة:
دور المعلم في المدرسة المحافظة هو نقل المعلومات والشرح والتفسير والتوضيح والتكرار وإعطاء الأمثلة ، وبهذا المفهوم يصبح الكتاب هو المصدر الوحيد للمعرفة، وتصبح التربية القمعية والتلقين والفكر الواحد والرأي الواحد هو السائد، وتصبح ثلاثية التلقين والحفظ والاسترجاع هي التي تحكم العملية التعليمية في المدرسة المحافظة.
ولقد ادى الأخذ بالمفهوم هذا إلى تقييد حرية المعلم، ذلك لأنه لا يستطيع أن يتحرك إلا في مجال محدود، وهو مجال شرح الدروس وتحفيظها وتسميعها، وبذلك أغفلت مجالات الاجتهاد والابتكار أمامه ونستطيع أن نرى كيف أخفقت المدرسة في ظل المفهوم الضيق للمنهج في أداء رسالتها نحو إعداد المواطنين للحياة بجميع واجباتها ومسؤولياته وكيف ضربت على نفسها عزلة تحول بينها وبين الوفاء بمسؤولياتها في بناء الأجيال الصاعدة على أسس علمية سليمة.
ج/ المتعلم في المدرسة المحافظة:
يتحدد دور المتعلم في المدرسة المحافظة على الحفظ واستظهار واسترجاع ما تعلمه من المعلم وما تضمنته الكتب المدرسية والنشاط المدرسي شيء خارج على المنهج، وهو للترفيه ومضيعة الوقت، عند أوليا الأمور، والمواد الدراسية منفصل كل منها عن الآخر والمقررات الدراسية موزعة على أشهر العام الدراسي والامتحان لقياس التحصيل والمعلومات والحفظ والتذكر.
المراجع
(1) سليمان، عرفات عبدالعزيز (ديناميكية التربية في المجتمعات)، مصر، مكتبة الانجلو المصرية، 1979م.
(2) سرحان – منير المرسي، (اجتماعيات التربية) مصر، مكتبة الانجلو المصرية، (1978م).
(3) شهلا – جورج وآخرون – (الوعي التربوي) بيروت، دار العلم للملايين، (1956).
(4) سرحان – منير المرسي (اجتماعيات التربية) مصر، مكتبة الانجلو المصرية، (1978م) .
(5) رابح – تركي (أصول التربية والتعليم) الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، (1989م).
(6) النقيب – عبدالرحمن ومراد صلاح الأحمد (مقدمة في التربية وعلم النفس) الرباط، مطبوعات المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة (1407هـ 1987م) .
(7) عفيفي، محمد الفهادي (التربية و التغيير الثقافي) مصر، مكتبة الانجلو المصرية، 1980م.
(8) جون وهانسون، وكول، تقديم أ. د. محمد لبيب النجد، (التربية والتقدم الاجتماعي والاقتصادي للدول النامية).
(9) عمر ابراهيم، (مقدمة في التربية) عمان ، دار عمار، 199م.
(10) الحقيل – سليمان بن عبدالرحمن (الوطنية ومتطلباتها في ضوء تعاليم الاسلام) الرياض، مطابع الشريف، (1410ه/1900م).
(11) الراوي، مسمارع حسن (دراسات حول التربية) بيروت، المكتبة العصرية، بدون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق